يقول لوالدته التي أنّبته لأنه لم يتحصل على معدل مرتفع مثل أخيه: “ليش أتعب نفسي؟ مثلي مثل اللي معدلاتهم مرتفعة، راح أحصل على بعثة خارجية أو أدخل جامعة هني، وبعد جذي، الواسطة هي اللي تمشي أموري”. عندما يستتب هذا المنطق في عقول صغارنا فنحن في مرحلة غاية في الخطورة، نحن نحصد اليوم جيلاً كاملاً لا يرى في العمل والاجتهاد مقياساً لتطوره، هكذا علمته الدولة وهكذا أخبره “كبراؤها”، ليست درجتك ولا جدّك ولا اجتهادك هي من ستحقق لك الراحة في حياتك، بل النظام الريعي والعلاقات الصحيحة هما كل ما تحتاج.
لا لوم على صغارنا اليوم، فلقد نشؤوا في دولة رُدِمت مؤسساتها أسفل علاقاتها، في مجتمع ريعي تعلم تقييم الكمية لا النوعية، والدليل أنه ولكي تسكت الحكومة أفواه المواطنين عن الشكوى من نقص مقاعد جامعة الكويت توجهت أولاً وعن طريق وزيرها آنذاك السيد أحمد المليفي إلى الدفع بالجامعة لقبول أكبر عدد من الطلبة، أو أن “يقدم العمداء استقالاتهم” حسب ما ورد في الصحف على لسان الوزير السابق. وعندما امتلأت مقاعد الجامعة تماماً بما يفوق طاقتها، ثم بالكمية على حساب النوعية، فتحت الوزارة باب البعثات الخارجية على مصراعيه، فكل من يقدم اليوم إلى البعثة الخارجية مجتهداً كان أم متواضع التحصيل، يتحصل تقريباً على بعثة. وهكذا يتساوى المجتهد والمهمل، هكذا تقتل روح التنافس ويخنق مبدأ من جدّ وجد، فلكي تحل الحكومة مشكلة نقص المقاعد الدراسية وتسكت تذمر الشعب لم تسرع في مشروع جامعة جديدة أو إنشاء المزيد من الكليات والمعاهد الفنية، بل كالعادة في اختيار الحلول السهلة المدمرة، كدّست الناس وخفضت المعايير وباعت الإبداع مقابل إسكات التذمر.
لقد قتل النظام الريعي والواسطة ودوائر العلاقات المصلحية الأمل والرغبة الحقيقية في الاجتهاد في نفوس شبابنا، أصبحوا متيقنين أن جهدهم سيكون هباءً منثوراً أمام نظام رعوي يساوي بينهم وإن اختلف مقدار المثابرة، وأمام نظام فئوي يفرق بينهم وإن تساوى مقدار التحصيل. أتساءل دوماً، أي دور يمكننا أن نلعبه للتخفيف من وقع هذا المفهوم الآخذ في التنامي بينهم كالعفن النشيط؟ فمنا من يرونه السقطة المدوية عن بعد، فما الذي يمكن أن نقدمه عدا الشكوى المستمرة؟ أود أن أذكر هنا بلوياك مرة أخرى، “لوياك” التي لا تنتشل شبابنا فقط من الفراغ وغياب الهدف وتدني مستوى التعليم والتحصيل، بل لوياك التي كذلك تحاول أن تغير من مفاهيم إدارتهم لحياتهم، ومن نظرتهم لأنفسهم وتقييمهم لتحصيلهم، ومن اعتدادهم بأنفسهم واعتمادهم على جهدهم، كل تلك المفاهيم التي تبني الإنسان.
ولأنني كتبت سابقاً أحث القادرين، أشخاصاً وجهات، على المساندة المستحقة للوياك، فقد ارتأيت أن آخذ أنا خطوة صغيرة، ولأنني لا أملك شيئاً مؤثراً أقدمه للوياك سوى رأس تملؤه الأفكار، وهذا لا “يؤتي خبزاً” إذا لم يكن ملحقاً بمجال لتفريغ الأفكار وتحصيل مقابل عنها يقيم أود المؤسسة الشبابية، لذا فإن مساهمتي هي في التالي: لأي مؤسسة أو جهة تقدم دعماً فاعلاً للوياك، تسند ظهرهم وتؤمنهم لفترة من الزمن، أنا على استعداد لتقديم ما أستطيع من خبرتي في مجال اللغة الإنكليزية كتابة ومحادثة أو في مجال الأدب والفلسفة والفن أو الترجمة أو غيرها من اليسير الذي أملك لهذه المؤسسة في صورة دورات، أو ورش عمل أو أياً كان ما يحتاجون بشكل ممتد عبر السنة لموظفي المؤسسة. هذا كل ما أملك تقديمه، وأنا على استعداد لتقديمه بشكل مهني والتزام تام، على أن تمد هذه المؤسسات يدها بالمساندة المطلوبة للوياك، فتحميها من التعثر وتساعدها على استكمال المسيرة التنويرية الشبابية الرائعة.
لست أقدم الكثير من خلال هذا العرض، ولكن هذا القليل هو كل ما أملك، وأعلم أن هذا القليل، إذا ما وجد الصدى لدى أصحاب الإمكانات، فربما يحقق الكثير للصغار الذين سرعان ما سيصبحون كباراً ويقودون هذا المجتمع. كلنا نعمل من أجل مصلحتنا، ومصلحتنا في مستقبل هذا البلد وأمنه وتطوره، ومستقبل هذا البلد في الجيل القادم، فلنغرس جذوره في البيئة الصحيحة حتى يؤتي الثمر الصحيح.