أعتقد أن أخطر المخلفات لحكومات الشيخ ناصر المحمد المتعاقبة على الكويت، والتي هي بحد ذاتها تستحق الخروج تظاهراً واحتجاجاً، هي المخلفات الطائفية التي باتت روائحها تهدد خطراً حقيقياً على الصحة الجسدية والعقلية لكل إنسان على أرض الوطن.
لقد تركت هذه الحكومات النواب الطائفيين يعيثون في قلوبنا وعقولنا فساداً، بل أوسعت لهم بالمداد الذي يقدرهم على تلطيخ ضمائرنا وإيغار قلوبنا على بعضنا بعضا. هؤلاء نواب وصلوا بأصواتنا، ولكن ليس وحدها، فلقد دفعهم المال والنفوذ السياسيين، تحديداً من أقطاب في الأسرة الحاكمة، إلى أن يرتقوا كراسي هي أكبر منهم، وعندما أخذهم وثير مقعدها، نسوا الحياء وأسقطوا الحذر تمرغاً في القطيفة الدافئة المريحة لينكشفوا اليوم ومعهم تنكشف سذاجتنا.
لقد استخدم الدين ضدنا، استخدمت المذاهب لتفرقنا فتسود السياسة العطنة، ولا أدري كيف قررت الأقطاب القوية أن هذا المنهج هو موصلها للعليين، فقراءة سريعة لأي تاريخ إنساني، حتى الفقير منه الذي يعرض علينا في مدارسنا، يبين أن منهجية فرق تسد تلك تنجح ولكن إلى حين، ثم تسقط سقوطاً مدوياً ذا طنين.
إن هذا النوع من الإفساد غريب المواصفات، فهو يأخذ سويعات ليستتب في مجتمع ما ويثبت نفسه، ولكنه قد يحتاج قرونا ليزال وينظف، وعلى أن اللعبة لم تتوقف عند هذا الحد، وعلى أن أوتار الطائفية لم تكن كافية، فقسم النواب إلى حضريين وقبليين، تجار وبرجوازيين، لنزداد نحن انقساماً بين أنفسنا وعليها، إلا أنني أعتقد جازمة أن خطر التقسيم الطائفي هو الأكثر ضراوة وهو ما سيوصلنا إلى نهاية حزينة حتمية إن لم نسبق نحن هذه النهاية في محاولة لتغيير مسارها.
بطريقة أو بأخرى، ستصل الحكومة الخائبة إلى نهاية المسار، فلا نضعنّ أيادينا في أيادي نواب، طائفيين كانوا أم قبليين، بالمال السياسي أم بالتصويت الفرعي أم بالضغط الطائفي هم واصلون، هم من صنع الحكومة واليوم هم منقلبون عليها، فهؤلاء، وإن بررت اللعبة السياسية استخدامهم للوصول إلى أغراضنا، لا يبرر العقل لنا ثقتنا بهم، فهم ليس لهم أمان، وهم من سيعطوننا ظهورهم ما إن يبدو لهم المنظر أجمل من الجهة الأخرى.
هم قبضوا يوم أمس، وهم استفادوا يوم أمس، وهم تحالفوا يوم أمس، فما أسرع ما نسينا الأمس الأليم في غمرة انتظارنا لغد أفضل، فالنسيان نعمة ولكن ليس في السياسة، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ونحن قد امتلأت أجسادنا باللدغات، فإلى متى؟