كنت وما زلت مؤمنة تماماً بضرورة تحييد الدين عن المحيط السياسي، وضرورة عزل التشريع الديني عن التشريع السياسي بشكل نهائي وصارم، ويتبع ذلك، على ما كنت أتصور، تحييد الإيمان والمعتقد لشخص السياسي وعدم الحكم عليه أو تقييمه من منطلق معتقده أو أفكاره الدينية، الا أن المفكر كريستوفر هيتشينز كان له رأي آخر. يقول هيتشنز انه من المهم معرفة معتقدات وأفكار السياسي قبل تنصيبه في موقع صنع قرار، فمن يؤمن بالخرافات مثلاً أو يعتقد بشدة بغيبيات لا دليل عليها ولا منطق لها، يكون من المخيف جداً وضع مصير أمة كاملة بين يديه.
حضرتني هذه الفكرة بقوة وأنا أشاهد مراسيم تنصيب دونالد ترامب، هذا الرجل الذي يجسد أسوء صور العنصرية والمادية ورعونة القول والفعل، كيف وما سيكون تأثير تفكيره على المكتب الأقوى سياسياً في العالم؟ الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات، لا يمكن أن يغيرها شخص منفرد، ومع ذلك تبقى حقيقة أن النفوذ القوي لهذا المنفرد يمكن أن يؤثر وبشكل كارثي على جوانب عالمية كثيرة، فهل كان لزاماً على الشعب الأمريكي فهم كل معتقدات ترامب الدينية قبل إيصاله للكرسي الأقوى في الدولة؟ إن أحد أخطر آثار التشدد الديني هو أن بينه وبين العنصرية علاقة تكافلية متبادلة، التطرف الديني يتغذى على العنصرية التي تفرق بين الناس وتحكم عليهم طبقاً لتقسيمات متعددة، والعنصرية تتغذى على التطرف الديني الذي يمكن له أن يخلق المسببات والمبررات «المقدسة» لها. وهكذا يتلون عيسى المسيح أحياناً أبيض عند المسيحي الأبيض العنصري وأحياناً أسود عند المسيحي الأسود العنصري، هكذا يصبح اليهود شعب الله المختارالذي فضله الرب عما عداه ليهوديته، وهكذا أصبح المسلمون خير أمة، هم الخير الأعلى والأعم بسبب إسلامهم. كل هذه التقسيمات والتوصيفات تحتوي في داخلها مضامين متعنصرة تجعل من إنسان فوق آخر بسبب دينه، دين ولد له في الغالب ولم يختاره.
إن إعتقاد صاحب القرار أنه على طريق الحق ودين الحق هو إعتقاد بحد ذات على درجة كبيرة من الخطورة ، فهو يقتل الجانب البحثي والفكري للإنسان الذي يعتقد نفسه قد وصل وإنتهى، وهو يبرر له حكمه على الآخرين وقسوته معهم بما أنهم على «طريق الضلال»، حيث يمكن تصور التداعيات الخطيرة لكلا النتيجتين المرعبتين: قتل التفكير وتبرير القسوة والحكم على الآخر، ولكن هل تمتد الخطورة كذلك لتفاصيل المعتقد وغيبياته؟ هل للأفكار الدينية المختلفة، مثلاً فكرة أن المسيح هو الله، ولد للدنيا ليدفع فاتورة آثام البشر ثم مات تحت تأثير العذاب الشديد ثم بعث، أو فكرة تأثير الجن على حياة البشر، أو الإيمان بالحسد والعين، أو الإعتقاد بكرامات بعض الأولياء أو الإيمان بالمتع الجسدية كمكافآت أخروية وغيرها، هل يمكن لهذه الأفكار الدينية أن تؤثر على التشريع السياسي وعلى مسار حيوات البشر محل التشريع؟
حقيقة أعتقدنا جميعاً اننا نعرف الكثير عن الفكر الديني لترامب ولربما كلنا مكتفين من معرفة بعض جوانب فكره الإجتماعي ومن الإستماع لخطاباته وتعابيره، ولكن لربما هو من المهم جداً وإن كان مرعباً كذلك معرفة ما يخبئه هذا العقل الرابض أسفل شعره الأصفر المصفف من حيث الأفكار الدينية والإعتقادات الغيبية، فلربما سيكون لهذه الأفكار الأثر الأكثر خطورة وتدميراً خصوصاً وأن ترامب ليس بالرجل الدبلوماسي من حيث إخفاء فكره أو التحكم في تفعيل هذا الفكر. لقد شهد التاريخ البشري أمثلة كثيرة لحكام سابقين تحالفت غيبياتهم مع عنصرياتهم فكان النتاج مرعباً، فما ياترى ينتظرنا على يد ترامب؟