في الدولة المدنية الحديثة، تحرص الحكومة ومشرعوها على المحافظة على كل روح تمشي على أرضها، تتعامل مع كل جسد على أنه ثروة، مع كل حياة على أنها استثمار، تتمسك بالوجود الإنساني لأنه الوحيد الذي لا يفنى، فبعد ذهاب الجسد يبقى إرث إنساني يورث عبر الأجيال، فماذا سيورث المحكوم بالإعدام لأسرته أو أبنائه؟
إنها الدولة… تأكل أبناءها
هي الدولة التي تشرع لقتل مواطنيها على أساس المنطوق، حكومتها تساند مشرعيها في الجرم، في استباحة دماء مواطنيها. في الدولة المدنية الحديثة، تحرص الحكومة ومشرعوها على المحافظة على كل روح تمشي على أرضها، تتعامل مع كل جسد على أنه ثروة، مع كل حياة على أنها استثمار، تتمسك بالوجود الإنساني لأنه الوحيد الذي لا يفنى، فبعد ذهاب الجسد يبقى إرث إنساني يورث عبر الأجيال، فماذا سيورث المحكوم بالإعدام لأسرته أو أبنائه؟ أي إرث أو امتداد سيكون لهذه العائلة المنكوبة؟ أي خيط قبيح تحيكه الدولة في نسيج مجتمعها، تلوث سمعة أبنائها، تحيطهم برعب وارتياب دائمين، كيف يكون الوطن سكناً وسيفُ القصابين معلقٌ فوق الكلمات؟
هذا ليس انتصاراً للدين وللنبي وصحابته، إنه هزيمة للدولة ولروح الدين التقدمية، إنه بحد ذاته تخريب لسمعة نبي ودين جاءا ليحلا السلام في عالم عنيف. يعتمدون لجاماً ضخماً على فم الشارع، فمن ذا الذي سيجرؤ على الاعتراض على حكم بحق مسيء للنبوة وصحابتها؟ بسيطة، المعترض كافر كذلك، والكافر لا يستحق شيئاً أقل من القتل، وإن لم يقتله حكم محكمة، فسيقتله حكم شارع تُروَّج فيه فكرة كفره. يكفي أن يخرج رجل اشترى وكالة الدين ليطلق حكمه فيردد الآخرون “آمين”، ومن قال “لا” فمكانه بجانب أخيه المسيء، يرسلهما جلاد القرن الواحد والعشرين مسنوداً بتوقيع برلماني إلى قبرهما، نهيل عليهما التراب، وننفض أيدينا من المشكلة.
إنها الدولة… تأكل أبناءها
ترسل لهم عربات زرقاء ضخمة إلى حيث خرابات يقطنونها، أبناء لها يسكنونها منذ عشرات السنين، وإن لم يحملوا صك الانتماء، مياها حارة وغازات ودخانا، يتراكضون بين الحواري الضيقة، يرتفع النحيب والعويل لابساً ثوب الفقر والحرمان والشعور الحارق بالظلم. تقبض الدولة عليهم بجرم فتح الفم. فالفم ها هنا يفتح بمقياس، ويتحدث بالمنصوص عليه. عسكريون بلباس مدني يحملون حكيم الفضلي في سيارة، فيختفي الفتى بعدها، وإلى حين كتابة هذا المقال، لا خبر يذكر عنه، فمتى أصبحت لدينا شرطة مخابراتية تستل الناس من بين الجموع تضعهم في سيارات وتنطلق كما “أفلام الأكشن”؟ متى شابت الكويت فكرهت من يعيش على أرضها، تعدم هذا وتقمع ذاك، وترش بالماء الحار، وتقذف بالدخان الحارق مَن يتغنى بحبها، بغض النظر عن رأيها في استحقاقه حبها؟
إنها الدولة… تأكل أبناءها
في ملحمة جلجامش السومرية، تقرر الآلهة، بعد أن امتلأت الأرض بالبشر وارتفعت أصواتهم فأزعجت هؤلاء الآلهة وأقضت مضاجعهم، أن تغرق الأرض بالماء، بفيضان يقتل الجميع ليبقى فقط أوتنابيشتام وعائلته، ليبدأوا حياة جديدة أقل ضوضائية.
هل أقضت المضاجع وامتلأت الشوارع وحان وقت التصفية؟