هناك بما لا شك فيه طغيان للإعلام النميمي، للإعلام المسير، لإعلام «الأقطاب» التي يضرب بعضها بعضاً من خلال موظفيها على هواء التلفزيون، والإعلام الهابط موجود في كل مكان في الدنيا، ولكن عندما يصبح هو السائد وهو القاعدة، يرتفع السؤال، ما المشكلة؟
قبل سنوات عدة، خرجت من مقابلة على قناة تلفزيونية كويتية خاصة محملة بصدمة كبيرة، لم أكن بعد اختبرت الإعلام جيداً، لم أكن أعرف لأي درجة يمكن أن ينحدر هذا «البيزنس». كانت حلقة نحر كرامة وصل فيها المقدم أن يطلب مني ذكر الشهادة على الهواء. خرجت متألمة ولكن محملة بدرس كان مستوجب التعلم. قررت بعدها مقاطعة المقابلات المحلية، وكتبت مقالاً غاضباً لا أزال أتذكر طعم كتابته في حلقي، ولكن مع انخراطي في العمل الاجتماعي والإنساني، استوجبت علي العودة للإعلام، فظهرت في برامج متفرقة تسويقاً لقضاياي، برامج غير عميقة ولكن لطيفة المحتوى صادقة الهدف في مساندة القضايا التي أعمل بها. ورغم ذلك، ظل العتب يلاحقني في مقاطعة إعلام بلدي وأنني أسافر لأداء مقابلة أحياناً لمدة 24 ساعة سريعة في حين أنني لا أكلف نفسي عناء المشاركة اليسيرة المحلية.
وهكذا قبلت الدعوة التي أتت الأسبوع الماضي، فتذكرت الذي كان، وطفت بقوة الأسباب التي منعنتي من المشاركة في السابق. طبعاً أنا لا أعمم، وعلى قلة مشاهدتي الحالية لقنواتنا المحلية الحكومية وغير الحكومية، إلا أنه لا بد من وجود برامج ومقدمين جادين، ولكن هناك بما لا شك فيه طغيان للإعلام النميمي، للإعلام المسير، لإعلام «الأقطاب» التي يضرب بعضها بعضاً من خلال موظفيها على هواء التلفزيون. والإعلام الهابط موجود في كل مكان في الدنيا، ولكن عندما يصبح هو السائد وهو القاعدة، يرتفع السؤال، ما هي المشكلة؟ فمثل هذا الإعلام يقوى باستقواء ذائقة المشاهد، يتجاوب ورغبته في العنف اللفظي والنميمة وتجريح الآخر، فإذا كان هذا الإعلام هو القوي لدينا، فما يقول ذلك عنا كمشاهدين وجمهور؟
لم أفهم الكثير من الأسئلة المطروحة في المقابلة الأخيرة، ولكن الأهم والأنكى أنني لم أعرف كيف أتجاوب ورعونة الطرح، ذكر لأسماء أشخاص والضرب في كراماتهم دون دليل، ذكر أحزاب ومحاولة النيل منهم واتهامهم بأنهم مستقطبون بشكل تآمري حتى بدا وكأن للقناة هدفا تحققه من خلال مذيعها، ألفاظ تخلو من الذوق والإنسانية في الإشارة إلى أصحاب فكر أو أصحاب توجهات شخصية، جو من الأذى اللفظي والضرب المعنوي والتناقض في الأسئلة وغرابة وفوضى المعنى تركوني جميعاً أتساءل، كيف عدت هنا؟ هل هذه هي الذائقة العامة؟ هل أصبحنا مجتمعا يشتهي الإشاعات والنميمة والضرب في الآخر؟ هذه هي بضاعتنا الآن؟
طبعاً أتحمل مسؤولية اختياري، لست هنا أشتكي ظلماً، ولكنني أنفس خوفاً، أنعى حزناً إعلاماً كان في يوم ولم يعد. كلما اقتربت خطوة، كلما وَثَقت نقطة، ارتدت إلى توقعاتي وهي حسيرة. هل مشكلتنا في ذائقة عامة يجب أن تقسر الإعلام أم في إعلام يستوجب عليه الدفع بالذائقة العامة؟ لست أدري تحديداً، ولكن ويا للأسف، يبقى هو إعلام بلدي.