يا أهل الكويت المشغولين بهموم كل من حولكم عدا همومكم، المشغولين بقضايا الأمة العربية، بمعاناة السوريين واليمنيين والليبيين والبحرينيين والعراقيين، كل حسب طائفته بالطبع، لا تباعدوا النظر، هنا تحت أنظاركم مباشرة بشر مدهوسون ظلماً وأنتم وأنا وكلنا نتخطاهم كل يوم.
سائراً في الطريق، ترى إنساناً يتعثر ساقطاً أمامك، ماذا تفعل؟ تمشي في الشارع تجد طفلاً مربوطاً إلى عمود، لا ماء ولا طعام، كيف تتصرف؟ إنها الغريزة الإنسانية في أبسط وأعظم صورها التي يجب أن تتفعل في تلك اللحظات، تلك الغريزة التي دونها يختفي كل معنى لوجودنا المحكوم بالعدم في كل الأحوال.
ليس حديث اليوم حديث أخلاق أو مبادئ، قومية ومواطنة، سمعة البلد، التقارير حول أوضاعه، خسائره وأرباحه، ليس هذا حديث هذه اللحظة على هذه الورقة، من خلال هذه الكلمات الضائعة بين مليارات الكلمات، حديث اليوم عن غريزة إنسانية يصعب أصلاً مقاومة تفعيلها دع عنك المضي في معاندتها. أهل الكويت المشغولين بهموم كل من حولكم عدا همومكم، المشغولين بقضايا الأمة العربية، بمعاناة السوريين واليمنيين والليبيين والبحرينيين والعراقيين، كل حسب طائفته بالطبع، لا تباعدوا النظر، هنا تحت أنظاركم مباشرة بشر مدهوسون ظلماً وأنتم وأنا وكلنا نتخطاهم كل يوم، نراهم بحيواتهم وأطفالهم ومعاناتهم اليومية مقتعدين رصيف الانتظار، نمر بهم دون أن نلتفت، دون أن تتحرك فينا الشفقة الطبيعية، وإذا ما أشار إليهم أحد نبادره: كل مشاكلنا السياسية والمصائب المحيطة بنا وأنت تتكلم عن هؤلاء؟ خلهم ينتظرون. وهم ينتظرون، الأسبوع يسحب أسبوعاً والشهر يسحب شهراً والسنة تتكوم فوق سابقتها، تضيع الأعمار والأقدار، ويتراكم اليأس، ويتفاقم العوز والوحدة والانعزال، كل هذا على مرأى منا ودون أي رد فعل لنا.
لا فائدة حقيقية ترتجى من محاولة الرد على الجمل المعلبة: أخفوا جنسياتهم، معروفة أصولهم، يريدون استغلال البلد، متسللون، جيش شعبي، وأفضلها عبطاً: إخوان مسلمون، فهذه جمل تتكرر منذ ثلاثين سنة وتزيد، حكومة تورثها حكومة، مسؤول يسرها لمسؤول، حتى أصبحت كليشيهات شائعة استتب لها المقام في الضمائر حتى أصبح من شبه المستحيل تصحيحها ولو قُدمت للناس الأدلة الدامغة في وضح النهار الملتهب. لذلك، ليس قول اليوم هو تفنيد لما سبق، ليس هو قول بالمبادئ والمثل وقيم الدولة المدنية المتقدمة، هو فقط قول بالغريزة الإنسانية، بالمشاعر الطبيعية. خريجو جامعة متفوقون يفترشون حصائر بيوتهم، أطفال صغار يفترشون حصائر الشوارع بيعاً للفاكهة، مرضى مصابون يعانون بلا طبابة بحجة انتهاء أوراقهم، طلبة يمنعون السفر، مسافرون يحتجزون في المطارات، أكوام بشر، رجال ونساء وعجائز، لا فرق، يصطفون في الجهاز المركزي يعانون سوء المعاملة والإذلال لإنهاء ورقة، شباب يمدون أيديهم طلبا للمعونة بسبب الحرمان من العمل متحولين من طاقة منتجة إلى طاقة خابية تحت غطاء التوسل، وغيرهم وغيرهم، كيف نشعر تجاه هؤلاء جميعاً نحن كبشر؟ بأي غريزة إنسانية نقيمهم، بأي مشاعر طبيعية نستشعرهم، هل من تركيبة جينية طبيعية تدفعنا لأن نساعدهم، نمد أيدينا لهم ولو من الباب الغرائزي الخالص لحفظ النوع؟ هل نقف لحظة لنستشعر المشهد أم نرفع أقدامنا فوق رؤوسهم نتخطاهم، سائرين نصلي العصر بخشوع ثم “نقيلل” هادئي الضمير مطمئنين لحسن وضوئنا واستكمال ركعات صلاتنا؟