نحب نحن لقب «الكويت مركز إنساني»، إلا أن لدينا بيوتاً تيمائية من صفيح، ولدينا أسر جوعى وأطفال محرومون من التعليم، ولدينا مناطق معزولة لربما هي غرقى الآن بأمطار وعواصف هذه الأيام، ولدينا مسؤولون يودون فصل الخدمة الصحية ومنع الأجانب من التخييم في أرض الله الواسعة. نحب نحن وصف «الكويت بلد الديمقراطية والحريات»، إلا أن لدينا سجناء رأي ومعتقلين سياسيين وعديمي جنسية عدمت هويتهم كعقوبة سياسية. نحب نحن واجهة «الكويت مركز مالي»، إلا أن لدينا سياسات تنفيرية وإجراءات تعجيزية وقيودا محافظة وفسادا لا يقابله أي منطق اقتصادي معقول يخفف من آثاره. نحب نحن توصيف «الأزرق الذي لا يقهر»، إلا أن لدينا أقطاباً أسرية تشوحنا نحن الشعب وفريقه الأزرق فوق أرض الملعب، يركلوننا ويتقاذفوننا، دون أن يتمكن طرف من أن يحرز هدفاً ويريحنا. لدينا وفرة مالية ومستشفيات متهالكة، لدينا وفرة أكاديمية ومناهج دراسية مروعة، لدينا أرض ممتدة ونقص حاد في الخدمات الإسكانية، لدينا شاطئ يطوق حدودنا الشرقية واختناق تام داخل مدينة تصفحت بالكونكريت والحديد، لدينا وحدة وطنية وتراشق طائفي، لدينا متدينيون وطبيات تزوّر ورواتب تصل للبيوت وسرقات بالملايين، لدينا دستور ومن يخرقه وبرلمان ومن يوقفه وتمثال لعبدالله السالم قابع في سرداب مظلم.
ليست المشكلة تحديداً أننا نعيش الأشياء ونقائضها، لب المشكلة أننا لا نعي تناقضاتنا، أو لربما نعيها ونتجاهلها، وهنا يصبح اللب أعظم. لا يمكن لدولة أن تحمل لقب مركز إنساني مثلاً وتتحمل على نفسها أن يكون بينها من تمس حقوقه مساساً طفيفاً، دع عنك بيوت صفيح وحرمانا من التعليم وفصلا في الخدمات الطبية ومنعا للتخييم الشتوي لغير الكويتيين. كيف نستطيع أن نعيش الشيء ونقيضه في الوقت ذاته؟ كيف تحدينا قوانين الفيزياء واخترقنا قواعد الطبيعة فأصبحنا نحتفي كل يوم وآخر بلقبنا الميمون، وبيننا مئة وعشرون ألفاً انتهت مدة جهازهم المركزي بإنجاز أوحد يتجلى في تأثيث أنيق للمكاتب التي ستهجر قريباً؟ أليس من مقومات الإنسانية البسيطة أن تعامل البشر بتساو، بلاش عموماً، بلاش تعليم وصحة، طيب الهواء؟ الفضاء؟ حتى هذه لا؟ غريبون نحن، منذ استلمنا اللقب ونحن نمعن في التقسيم والفصل والتمييز، لا أدري أنعاند أنفسنا أم نستمتع بالتناقض يكهرب أجسادنا وعقولنا؟
نحب نحن لعبة شد الحبل، إلا أنه يبدو أننا ذات الفريق يشد من الطرفين. نشد طرف اللقب، أي لقب من جهة، ثم نهرول لنشد عكسه ونمحو أثره ونقضي على معانيه من الجهة الأخرى؟ لمَ؟ الله أعلم.