تحميل إغلاق

المزهرية الفخار

المزهرية الفخار

إذن ما يجب أن يكون عليه موقفنا كنساء تجاه ياسمين عز بعد أن أطلقت أسهم خطابها الذكوري المحافظ الصارم بصوتها الأنثوي وشكلها العصري الجميل؟ حقيقة الأمر أن عز لم تقل شيئاً لم نسمعه كلنا نحن النساء من قبل، لم تقل أقل مما قالته أمهات جداتنا لجداتنا، وجداتنا لأمهاتنا وبعض من أمهاتنا لنا، لم تخرج حتى عن بعض ما نتداوله بيننا في عالمنا النسائي كأخوات وصديقات وقريبات، فلماذا نهبط بجام غضبنا عليها، ولم أصبحت هي حديث الساعة وموضوعاً بالنسبة لي شخصياً لأكثر من مقال؟
ليست عز على أي درجة من الشبه بالجدات والأمهات اللواتي يتكلمن بخوف خلف الأبواب المغلقة بنصائح مغلفة بالحزن والحسرة لمساعدة بناتهن على النجاة، لتصبيرهن للتحمل ومقاومة اليأس والاستمرار بالحياة. ليست عز متشابهة والصديقة أو القريبة التي تحاول أن تخمد نيران الغضب و»تهدئ سر البيت» فتنصح أختها أو قريبتها بالتمهل والتفكر وأخذ المغفرة بعين الاعتبار، ليست عز حتى جدة أو أم تقليدية مؤمنة «بأخلاقية» النظام الأبوي ومتحدثة بنصح مصدره تجربة هي عاشتها ولا تعرف غيرها، وبالتالي توجه ابنتها أو حفيدتها من خلالها، ليست عز أي امرأة من هؤلاء، خائفة تريد نجاة صنوتها، حزينة تريد استقرار بيت قريبتها أو صديقتها، أو حتى تقليدية محرومة من الاطلاع أو التجربة مما نحا بها لتقديم نصيحة قمعية بحد ذاتها. عز شابة عصرية، تلبس على أحدث صيحة غربية، متعلمة ويفترض أنها قارئة وذات تجربة في الحياة من خلال عملها في الإعلام، منبع التجارب والتعامل والتواصل مع الناس والمجتمع. فأي مبررات يمكن أن نخلقها لها؟
لقد تكلمتُ في المقال السابق عن ذكائها أو غبائها اللذين حفزا خطابها الإعلامي بأهدافه المعنية والتي تحققت لها في الواقع، سواء بذكاء أو غباء، غير أن موضوع هذا المقال ليس هو مبررات أو دوافع خطابها، إنما خطورته وكيفية التعامل معه. وعلى الرغم من أنني ذكرت آنفاً أن خطاب عز ليس بجديد في الحيز النسائي بحد ذاته، ذلك أننا سمعناه من جدات وأمهات وصديقات، عن نصح خالص أحياناً وعن إيمان أبوي ذكوري أحايين، ولكنه في الحالتين لا يتشابه وخطاب عز بخطاب هؤلاء النساء، ذلك أن لعز حيزاً وشكلاً ومساحة تجعل من خطابها سلاحاً بادي الخطورة وعظيم التهديد.
وأخطر ما أتت عز هو أنها في الواقع «طبعت» العنف وجعلت منه موضوعاً سهل التداول مقبول المفردات بين النساء بحد ذاتهن، موضوعاً لا يجب أن تشمئز منه حتى «العصرية» بفستانها الأنيق ومساحيق تجميلها المتراكمة، فلماذا يفترض أن ننفر منه «نحن» النساء «العاديات» في المجتمع؟ لقد قدمت عز بخطابها العصابي الغريب، وكأن كلماته سياط تعذب بها نفسها أو تشير من خلالها لتناقضاتها أو للفصام الذي تعانيه في شخصيتها، نموذج جاذب ومثير جداً للرجل، «المرأة الكاملة» كما يتمناها، جميلة، متحدثة، راضخة، مؤمنة به وبسلطته، مقبلة كف يده حتى وهو يهبط به على وجهها، فأي صورة أشهى يمكن أن يتمناها الرجل؟ تلعب عز على وتر تأنيب الضمير، محملة المرأة مسؤولية نجاح وفشل العلاقة والمنظومة المبنية عليها، دون تحميل الرجل أدنى مسؤولية، فعروس الإسماعيلية امرأة حكيمة لأنها أنقذت العرس وسترت زوجها، والعريس؟ لا شيء، واقف كالمزهرية الفخار، ينتظر الإنقاذ والستر.
في خطاب عز تدور حياة المرأة حول إيجاد عريس ثم حول المحافظة عليه، ذلك أن المصيبة كل المصيبة في بقاء المرأة وحيدة «كالنخلة أو الشجرة» على حد تعبيرها، وما أكبر من هذه المصيبة سوى طلاقها الذي من بعده لن تجد البديل لضاربها أو خائنها أو أياً كانت مصيبته أو ذنبه معها. تقول عز في إحدى حلقاتها ناصحة المرأة، إن الصديقة التي «تقول لك من أول ضربة، وإلا من أول لمسة وإلا من أول تكة طلقيه، دي مش بتحبك، ولما تتطلقي صاحبتك دي مش حتجيبلك عريس، هتقعدي في البيت، فمش كل حاجة تحصل من الراجل نقول يلا طلقني». من هذا الخطاب تنطلق عز معززة مفهوم «ظل راجل ولا ظل حيطة،» وأن تكوني مع رجل عنيف خير من أن تكوني مطلقة، وأن واجب تحقيق الاستقرار والسعادة يعود إليك، أنت أيتها المرأة؛ أن مهما ضرب الزوج أو خان أو بخل أو شتم، لقبيه بس «بالأستاذ» وخاطبيه «بالصوت الشتوي» و»شوفي النتائج، وادعي لياسمين عز».
ويبقى السؤال، هل كان من المفترض أن نعمل ضجة فنساهم في نشر حوار عز؟ هل كان من المفيد كتابة مقال ينشر حديثها؟ أتصور أن الصمت هنا خطير، فمع المغامرة بنشر حديث عز ولربما تعزيز مفاهيمه في عقول البعض، إلا أن الحوار الحقيقي والعميق حوله سيجب كل ضرر، وسيأخذنا إلى مساحة حقيقية في حياتنا، نناقش من خلالها ما سمعنا من النساء السابقات، ممن عانين من الأبوية أو آمنّ بها أو ذهبن ضحية لها، وكيف يمكننا اليوم أن نتعامل مع مثل هذا الخطاب لنتقي شره ثم نخمده. ولنذهب للسؤال الأخطر والأهم في رأيي، والذي كان يفترض أن يكون موضوع هذا المقال، كيف يجب أن ننظر لعز؟ هل نحتويها؟ هل نلفظها؟ هل نعتبرها مشاركة في الجريمة وتستحق أن نعاقبها، أم ضحية يجب أن نحاول إنقاذها؟ لربما أصل إلى مناقشة هذا السؤال في المقال القادم.

اترك تعليقاً