في كل مرة تكتب امرأة عن موضوع حقوقي نسوي عبر تويتر، تظهر نزعة مهمة وبلا شك مؤثرة في محاولة لتحجيم المتحدثة وإسكات رأيها. بمنحى عن النقاش الصحي الذي هو في الجانب الأقل وضوحاً وشيوعاً بين مريدي وسائل التواصل، نجد أن الشائع هو الهجمات الثلجية الذي تتدحرج وتتكور وتتضخم إلى أن تبتلع الموضوع وقائلته والفكرة برمتها، لتبقى النفايات، نعم أؤكد معتذرة، النفايات، من الأسلوب والأفكار والكلمات الدميمة شكلاً والعطنة رائحة، طاغية على كل شكل ورائحة متبقيين من عِطر الفكرة الرئيسية.
بلا شك، حتى النفايات الفكرية لها مكانها، مستحقة لحريتها، ذلك أنها إذا مُنعت، سيكون الثمن باهظ، حيث ستتسلل الديكتاتورية، وقليل فقليل، ستختفي الأفكارة النيرة الطيبة تحت ضغط الخطوط الحمراء التي لن يتوقف ظهورها ولن يُحَجَّم استبدادها أبداً طالما بقي بشر على الأرض.
طبعاً أقدر أن توصيفي القاسي هو توصيف نسبي، ما يبدو رخيصاً بالنسبة لي قد يكون ثميناً لآخرين، وما هو ثمين بالنسبة لي، قد “لا يسوى تعريفة” عند غيري على حد تعبير الأحبة المصريين. إلا أن توصيفي اليوم هو ليس للفكرة ولكن لنزعة التحجيم التي بَدَأْت المقال متحدثة عنها، للأسلوب الذي تتم فيه محاربة أي فكرة نسوية حقوقية خصوصاً إذا ما طرحتها امرأة، حيث ينحى الذكوريين، من الرجال والنساء، لأسلوب لا يمكن توصيفه فعلياً سوى بالنفاياتي، يئن عطناً ويفوح نتانة.
أعلم أن الفكر النسوي ثقيل على النفوس الشوفينية الذكورية، أعلم أن فكرة إنسانية المرأة تُحَمِّل هؤلاء هماً وعبئاً، هم مساواتها المُكْلِف وعبئ إفساح مكان مماثل لها في الحياة. خسارة كبيرة أن يفقد الإنسان وليف أقل درجة، وليف يخدمه ويطيعه وينجب له الأبناء ويتحمل عنه مسؤولية البيت و”يبلع الموس” حين يتحول إلى رقم ينتظر يوم وليلة، وليف يجوز ضربه، يجوز إخضاعه للرغبة، وليف لا يمكنه ترك “العش” سوى بإذن وإرادة “المالك”، وليف مملوك مأمور، الطاعة واجبه، والتعزير والتأديب والإجبار حق لمالكه، وليف ملك اليدين، قيد الرغبة، يتحمل وزر الخطايا ومسؤوليات الحياة وعبئ جنسه الموصوم بالهيستيريا، التهمة المجهزة لمواجهة أي رد فعل أو اعتراض منه، ومن لا يريد هكذا وليف، “من لا يريد زوجة” كما قالت جودي بريدي في مقالها الشهير “أريد زوجة” لسنة 1971؟
الخسارة فادحة في فقدان المرأة الموصى والمولى عليها، في النظر لها على أنها إنسان كامل متساوي، نعلم ذلك والله، بل أزيد أنني متعاطفة مع هؤلاء الذي ترعرعوا في مجتمعات لم تعرض عليهم سوى طبيعة ميكانيكية للمرأة، لم تُظهرها سوى ككائن مجادل ممل عاطفي هيستيري يحتاج دوماً للمراقبة والضبط والعقاب والتعزير، كائن أقل إنسانية، لابأس من ضربه وإجباره وحبسه وتخطيط حياته من أجل مصلحته بحد ذاته. هؤلاء “المساكين” لم يعرفوا سوى هذه الصورة ولم يتعرضوا سوى لهذا الرأي على مدى آلاف السنوات، فكيف نطلب منهم فجأة أن يصحوا وينظروا للحقيقة بل وأن يقطعوا الحق من أنفسهم؟
إلا أن أقل المطلوب في مجتمعات ورعة محافظة، يترجرج رجالها الذكوريين بالشهامة كالقِرب المنفوخة، أن يكفوا ألسنتهم ويعفوا كلماتهم حين يدور الحوار حول النساء الذين ضجونا بدعاية حمايتهن وصونهن. نظرة سريعة على تويتر مثلاً تظهر كيف تنحى هذه الفئة الرديئة من البشر لتحوير كلمة نسوية إلى مختلف الكلمات الرخيصة بل والبذيئة، لتوصيف النساء الناشطات في المجال بأسوء الأوصاف، للضرب في الشرف والعِرض، للسخرية من الشكل والمظهر، للمعايرة بالجسد والعُمر، للهجوم تلميحاً وتصريحاً بالانتهاكات الجنسية، للدفع بالضرب في سمعة رجال المرأة المعنية. أرخص الوسائل وأقذر الأساليب وأعطن الكلمات تصدر عن هؤلاء القِرَب، حماة الشرف وحَمَلة الرجولة كما يعتقدون في أنفسهم ويرون.
ليس من طبيعتي أن أكتب بهكذا تعابير وقسوة، ولكن أحياناً تجبرك الظروف على ما تكره وتنفر منه. الخلاصة هنا هي رسالة موجهة لهؤلاء القِرَب، الذين يعتقدون أنهم بسخريتهم من الشكل والمظهر، بتلميحاتهم الانتهاكية الجنسية، باستهزائهم بالأفكار والكلمات، بتحويرهم لكلمة نسوية واستخدامها بأقذع وأرخص الطرق، أنهم يخيفون النساء أو يروعونهم أو يقصونهم. لهؤلاء الذين ذات زمن أطلقوا على الكويتيات اللواتي سعين لحقوقهن السياسية لفظة “خراتيت” والذين وصفوا المشاركات في حملات قرع الجرس من أجل حقوق المرأة “بالأبقار”، والذين لا تزال بقاياهم الذكورية الرديئة المتشكلة في صورة نسل جديد هزيل يُغرق وسائل التواصل بذات النوعية من النفايات اللفظية والفكرية، لهؤلاء نقول للطبيعة قانونها في الاختيار الطبيعي للنوعية الأفضل من البشر، وعليه فنهاية نوعيتكم قادمة لا محالة. ولكن إلى ذلك الحين، اسمعوا واعلموا رسالة الخراتيت والأبقار، العجائر القبيحات، العوانس المتلهفات، إلى آخر ما تريدون من أوصاف وزيدوا عليها، لن تثنينا بذاءتكم، ولن تخيفنا وقاحتكم وجرأتكم، ولن يوقفنا انعدام مروءتكم وأخلاقكم. كل هذا انعكاس لأخلاقكم لا أخلاقنا، منعكس بقبحه عليكم لا علينا. نحن باقيات، الزمن زمننا، فيم هو عفى عليكم وعف عنكم وعن نفوسكم المريضة.
سيداتي العاملات في المجال، أنتن تاج رؤوس هؤلاء، فلا يخيفكن توصيف أو سخرية أو حتى تطاول أخلاقي. أنتن الحق، والحق نظيف، أنتن الحقيقة، والحقيقة تنتصر ولو بعد حين.