لها النصف: حتى في حق منح الجنسية لا تتساوى المرأة الخليجية بالرجل
غريبة هي السيكولوجية الجمعية للمجتمعات المحافظة، غريبة هي طريقة التفكير والعقلنة والتحليل المنطقي، أو لربما الأوقع أن نقول اللامنطقي، في هذه المجتمعات، للقضايا التي لم تعد تحتمل الكثير من التفكير والتحليل، والتي تجد اليوم إثباتات علمية تستند عليها وتحولها إلى قضايا بديهية لا جدلية. تعتبر القضايا الجندرية أحد أهم هذه القضايا التي بدأ العالم يأخذ خطوات جادة تجاهها، فيما يبقى العالم الشرق أوسطي، ولربما الشرقي بالعموم بما يشمل أجزاء كبيرة من شرق آسيا، مقاومًا لها متخذًا منها مواقف تبدو شخصية عاطفية لا عقلانية إلى حد بعيد. لربما لا تزال القضايا الجندرية عمومًا بعد قابلة للجدل بحكم حداثة الكثير من الدراسات والأبحاث النفسية والعلمية التي تتعامل معها والتي تتكشف عن جديد كل يوم، ولكن هذا الفرع منها المختص بقضايا المرأة، كيف يمكن أن يبقى جدليًا في هذا الزمن، في القرن الواحد والعشرين؟
إن قصة الأنثى في تاريخ البشرية هي قصة طويلة ومعقدة، ذات ذيول حية سامة لا تزال تتحرك وتلسع النساء منذ فجر ظهور جنسنا الهوموسيبيان على سطح الأرض منذ ما يقرب من المئتي ألف سنة ماضية، ووصولًا إلى زمننا الحديث “المزوَّق” بالمفاهيم الحقوقية الإنسانية المعاصرة. وعلى الرغم من أن هذه الخطوات الحقوقية الكبيرة قد تمددت على معظم المناطق الحياتية الإنسانية، إلا أن خطوها بطيء ومتردد على أرض الحقوق النسائية التي لا تزال -وإلى حد كبير- جرداء مقفرة.
بلا شك، فإن عالمنا العربي عمومًا والخليجي تحديدًا، وهو العالم الغائر في عاداته وتقاليده وقراءاته الدينية المعجونة بعشائرية متوارثة، بعدُ لم يستطع تخطي الحواجز الأيديولوجية والفكرية والنفسية وصولًا لرؤية واضحة للمرأة على أنها إنسان مكتمل الأهلية، وفي الفحوى الحديث، على أنها مواطن مكتمل الواجبات والحقوق. المشاكل في هذا النطاق كثيرة ومعقدة، بداية من تمثيل المرأة القانوني في قوانين الدولة، وخصوصًا قوانين الأحوال الشخصية، مرورًا بالتطبيقات الفعلية للقوانين بما يحفظ أمن وسلامة وحرية وحقوق المرأة، ووصولًا إلى فرصها الفعلية في المشاركة السياسية وصنع القرار. في كل نطاق من هذه النطاقات، العقبات والمصاعب والمشاكل تفوق بمراحل الإنجازات وما يفترض أن يتبعها من استقرار موعود للإنسان في الدولة المدنية.
إلا أن المشكلة الموجعة المهينة والمؤذية على كل المستويات، الجسدي والنفسي والحياتي منها، هي مشكلة انتقاص مواطنة المرأة في دولتها التي يفترض أن تكون مدنية حديثة. ولهذا الانتقاص أشكال كثيرة وانعكاسات وتبعات أكثر، لكن أي منها ليس مؤثرًا كانتقاص تفعيلها لجنسية بلدها، كشعورها أنها نصف مواطن، عليها كل الواجبات ولها نصف أو أقل، من الحقوق. مشكلة الانتصاف هذه مشكلة مزمنة للمرأة العربية المسلمة، فهي تستحق نصف الإرث، وهي تشهد نصف شهادة، وهي تتزوج ربع زوج، وهي تمارس عباداتها نصف ممارسة (حين تغيبها بيولوجيتها عن المشهد الديني)، وها هي في دولها المدنية الحديثة، التي يفترض أن تراها إنسانة مكتملة الأهلية، تُعلن نصف مواطن، تمتلك جنسية تقف عندها وتموت معها.