لو صدق ما نُقل على لسان الوزيرة هند الصبيح بخصوص العمالة الكويتية كونها غير ماهرة، فإن الوزيرة هنا لربما أخطأت التشخيص ومن أوجه عدة، فالعمالة الكويتية هي عمالة غير ملتزمة وليست غير ماهرة، وكلنا نعلم أن الوزارات التي يتكدس فيها الموظفون يكون إنتاجها غالباً على أيدي العمالة الوافدة في حين ينشغل الموظفون الكويتيون بأخذ الأذونات والاعتذارات وتقسيم الحضور بينهم وصولاً إلى التخلي عن الدوام برمته وانتظار الراتب قادماً بمعية وساطة نائب أو مسؤول كبير إلى البيت. هذه العمالة لا تفتقر لمهارة، نحن لا نعلم مدى مهارتها أصلاً لأنها غير ملتزمة، هي تفتقر للحضور وللإنتاج المترتبين على افتقارها لنظام الثواب والعقاب اللذين هما الدافع والمقياس في العمل. هذه ليست خطيئة العمالة لكنها خطيئة إدارة الدولة، الإدارة التي تنتمي إليها الوزيرة الصبيح أصلاً والمعنية بتنظيم حياة وإنتاج المواطنين والمقيمين.
لكن المشكلة تتعدى الالتزام إلى الانتقاء، فالعمالة الكويتية كلها تود أن تبدأ من أعلى، وفي حين أن الكويتيين قادرون على أداء أدوار العمالة المتواضعة مثل التنظيف والمراسلة والمحاسبة في الجمعيات والوقوف في محطات البنزين، إلا أنهم يحيدون عن هذه الوظائف في الظروف العادية، وهذا الحياد هو تعليم الدولة ونتاج سياساتها التي رفعت التوقعات فجعلت من الكويتي موظف درجة مرتفعة من بدايته، فلا أحد يبدأ متواضعاً إلا فيما ندر، كما رفعت عن الكويتيين عقوبة خسارة الوظيفة إلا فيما اشتد وقسا. رسخت الحكومة الشعور بالأمان الوظيفي لدى المواطنين سواء استحقوه أم لم يستحقوه، ووفرت عليهم عناء الاجتهاد والالتزام ودفعتهم لقبول “الوضع السائد” عوضاً عن السعي إلى الوصول إلى وضع أفضل، ولم يأت التكدس التوظيفي ليساعد هذا الوضع الشاذ، حيث تسبب الارتفاع الكبير في أعداد الموظفين في الهبوط الحاد في الأداء والإنتاج من باب اعتماد الواحد على الآخر، ومن باب الشعور بأن هناك عدم عدالة في توزيع العمل الشحيح أصلاً. حالة من التراخي والكسل واللامبالاة أصابت عمالتنا ليس لأنها تفتقد لمهارة أو تعليم أو حتى طموح، ولكن لأن الحكومة “قعدتها في البيت” رمزياً، مسحت عنها طموحها بكفالة وظيفتها تقريباً تحت أي ظرف، أوقفت عنها تحفزها بالبطالة المقنعة التي وضعتها في خضمها. هذا، ولا تجد الطموحات الشابة والأفكار الفتية الرعاية اللازمة ولا التقدير الفاعل، ما عاد أحد يرغب في الاجتهاد لأن الكل يعلم أن في الكويت “ليس لكل مجتهد نصيب”. ما عاد هناك دافع للاجتهاد في عمل مضمون أصلاً ولا محفز لنجاح لن يجد صدى ولا تقديرا ولا محركا للإخلاص طالما الواسطة هي السلاح المحدد لكل شيء في البلد. وهذا هو السبب، هو أنت يا سعادة الوزيرة ممثلة بموقعك الحكومي وزملائك الذين يفوتون من الأخطاء أكثر مما يعالجون، فتراكمت المصائب واستفحل الداء، وضاعت الثقة، كل الثقة، بابن البلد الذي هو في الواقع جدير قدير.
المؤلم في الموضوع أنه مع كل حدث مثل هذا، تتوالى رسائل التواصل الاجتماعي مهاجمة العمالة الوافدة، قصص وقصص عن ظلم الكويتيين في بلدهم وطغيان العمالة الوافدة عليهم، كلام فقير مرير ساذج لا يعي لا حجم المشكلة ولا بعدها ولا كونها قادمة من عقر دارنا وليست مستوردة مع العمالة التي نهاجمها اليوم والتي تبني البلد على أكتافها. هكذا نحن، بدل أن نواجه أنفسنا ونشخّص الداء، نسرع بكل قوتنا لاتهام الآخرين وتقمص دور الضحية. مشكلتنا إدارية حكومية، ومشكلتنا نفسية في شعورنا تجاه أنفسنا، ومشكلتنا أخلاقية في تحميل العمالة الوافدة عيوب الإدارة الكويتية، وتلك كلها مشاكل تحتاج مواجهة وحلا، ولا تحتاج تسجيل يوتيوب تحكي لنا فيه كيف تخطاك منظم الندوة طالباً منك ترشيح وافد للحديث فيها بدلاً عنك. لسنا ضحايا الوافدين الذين يعيشون بيننا منذ نشأت الكويت والذين خدموها وأهلها بسنيّ حياتهم كلها، ولكننا ضحايا حكومتنا وإدارتنا وأنفسنا، نواجه أنفسنا أفضل، وأكرم.