توماس إي فورد
ترجمة ابتهال الخطيب
المصدر: http://theconversation.com/psychology-behind-the-unfunny-consequences-of-jokes-that-denigrate-63855
س: لماذا قطعت المرأة الطريق؟
ج: غير مهم! ما الذي تفعله هي خارج المطبخ؟
س: لماذا لم ترسل ناسا إمرأة للقمر؟
ج: هو لا يحتاج للتنظيف بعد!
هاتين الدعابتين تمثلان الفكاهة الاستحقارية–أي محاول التسلية من خلال تشويه صورة مجموعة اجتماعية أو ممثليها. تعرفون أنتم هذه الظاهرة على أنها الدعابات العنصرية أو التعصبية الجنسانية – بشكل أساسي هي تمثل أي توجه يصنع من مجموعة مهمشة مادة للنكتة.
إن الفكاهة الاستحقارية هي تناقضية: فهي تتواصل برسالتين متضاربتين في ذات الوقت. إحداها رسالة واضحة العدائية أو العنصرية، ولكنها مرسلة جنباً الى جنب مع رسالة أخرى مبطنة بأنها “لا تعتبر عدائية أو عنصرية لأنني لم أعني ذلك –إنها فقط دعابة.”
بإخفاء التعابير العنصرية تحت ثوب المرح والعبث، فإن الفكاهة الاستحقارية، كالمبينة في الدعابات أعلاه، تبدو تافهة وغير مؤذية. الا أن أبحاث ممتدة ومتزايدة في علم النفس تشير الى العكس تحديداً – أن الدعابة الاستحقارية يمكن لها أن تنمي التمييز العنصري تجاه المجموعات المستهدفة.
Laughing together at others’ expense?Laughing image via www.shutterstock.com
الدعابات التي تخلق القيود
معظم الوقت يخفي العنصريون آرائهم وأمزجتهم الحقيقية لأنهم يخشون نقد الآخرين. هم يعبرون عن العنصرية فقط حين تشير المعايير في محتوى أو موقف معين بوضوح الى الرضا عن وقوع ذلك. هم يحتاجون الى شيئ في بيئتهم القريبة ليعطيهم الإشارة بأنه من الآمن أن يعبرون عن عنصريتهم.
إن الدعابة الاستحقارية تبدو أنها تؤدي هذا الغرض تحديداً من خلال تأثيرها على فهم الناس للمعايير الاجتماعية – القواعد المتضمنة للسلوك المقبول – في الفحوى القريب المباشر. في عدد متنوع من التجارب، وجدنا أنا وزملائي تأكيداً لهذه الفكرة، والتي نسميها نظرية المعيار العنصري.
على سبيل المثال، في الدراسات، الرجال الذين يكونون أعلى درجة من حيث التحيز الجنسي العدائي – العدائية ضد النساء –قد أحرزوا نسبة أعلى من التسامح مع التحرش الجنساني في أماكن العمل حين يكونون هم معرضين لدعابات متحيزة جنسياً في مقابل التعرض للدعابات المحايدة (الغير متحيزة جنسياً). الرجال الأعلى درجة في عدائتهم الجنسانية يؤيدون كذلك اقتطاع تمويلي أكبر من المؤسسات النسائية في جامعاتهم بعد مشاهدة مونولوجات كوميديةمتحيزة جنسياً في مقابل تلك المحايدة. الأكثر إقلاقاً، وجد باحثون آخرون أن الرجال الأعلى درجة في العنصرية الجنسية العدائية قد عبروا عن استعداد أكبر لاغتصاب امرأة حين تعرضوا للدعابات المتحيزةجنسياً في مقابل تلك الغير متحيزة جنسياً.
Sexist humor can expand the bounds of what’s an acceptable way to treat women.Thomas E. Ford, CC BY-ND
كيف استطاعت الدعابة المتحيزة جنسياً أن تجعل الرجال المتحيزون جنسياً في هذه الدراسات يشعرون بالحرية في التعبير عن أمزجتهم العنصرية؟ تخيلوا لو أن المعايير الإجتماعية حول الطرق المقبولة والغير مقبولة في معاملة النساء هي ممثلة في شريط مطاطي. كل ما في داخل الشريط المطاطي هو مقبول اجتماعياً، كل ما هو خارجه غير مقبول.
الدعابة المتحيزة جنسياًتمددبشكل جوهري هذا الشريط المطاطي، توسع حدود السلوك المقبول ليشمل ردود الأفعال التي في غير هذا الوضع ستكون خاطئة أو غير مناسبة. وعليه، في هذا الفحوى للقبول المتسع، يشعر الرجال المتحيزون جنسياً بالحرية في أن يعبروا عن عدائيتهم دون المخاطرة بمخالفة المعايير الاجتماعية ومواجهة سخط الآخرين. الدعابة المتحيزة جنسياً قد أشارت الى أنه من الآمن التعبير عن الأمزجة المتحيزة جنسياً.
من هو المستهدف؟
في دراسة أخرى، بينا أنا وزملائي أن المؤثر الذي ينتج العنصرية عن الفكاهة الاستحقارية يتغير اعتماداً على الموقع في المجتمع الذي يحتله المستهدَف بالدعابة. تكون المجموعات الاجتماعية عرضة لدرجات مختلفة اعتماداً على مكانتهم الاجتماعية ككل.
تحتل بعض المجموعات موقع اجتماعي مميز لما يسميه علماء النفس الاجتماعيون “القبول المتغير.” بالنسبة لهذه المجموعات، تتغير الثقافة العامة من اعتبار العنصرية والتمييز ضدهم مبررين تماماً الى اعتبارهما غير مبررين مطلقاً. ولكن حتى فيم المجتمع ككل يصبح أكثر قبولاً لهما، العديد من الأشخاص يبطنون مشاعر مختلطة تجاههما.
على سبيل المثال، خلال الستون سنة الماضية تقريباً، شهدت الولايات المتحدة انخفاضاً حاداً في التمييز العرقي العلني والمؤسسي. استطلاعات الرأي العام خلال ذات الفترة قد أظهرت أن البيض أصبحوا يملكون تقدمياً آراءاً أقل عنصرية تجاه الأقليات، خصوصاً السود. وفي ذات الوقت، مع ذلك، العديد من البيض لا يزال لديهم سراًترابطاتومشاعر سلبية تجاه السود – وهي مشاعر هم لا يعترفون بها الى حد كبير لأنها تتعارض مع آرائهم تجاه أنفسهم بأنهم مؤمنون بالمساواة.
ان الفكاهة الاستحقارية تنتج التمييز ضد المجموعات الاجتماعية – مثل الأمريكيون السود—والذين يحتلون هذا النوع من الأرضية المتغيرة. في دراستنا، وجدنا أن النكات البذيئة قد روجت للتمييز ضد المسلمين والرجال المثليين– والتي قسناها على أساس التوصيات المتزايدة بالاقتطاع من ميزانيات مؤسسات الطلبة المثليين، على سبيل المثال. رغم ذلك، فإن الفكاهة الاستحقارية لم يكن لها ذات التأثير تجاه مجموعتين “مبررتي التمييز ضدهما”: الإرهابيين و المتحيزين العرقيين. المعايير الإجتماعية تملي أن الناس بغير حاجة لانتظار الدعابات ليبرروا تعابيرهم العنصرية تجاه هاتين المجموعتين.
I’m not sure I see the humor….Woman image via www.shutterstock.com
المهم الذي تتضمنه هذه النتائج هو أن الفكاهة الاستحقارية يمكنها أن تكون مؤذية بدرجة أو بأخرى طبقاً للموضع الاجتماعي الذي تحتله المجموعات المستهدفة. الأفلام، البرامج التلفزيونية أو المقاطع الكوميدية والتي تحتقر مجموعات مثل المثليين، المسلمين أو النساء يمكن لها أن تنتج تمييز وظلم اجتماعي، فيم تلك التي تستهدف مجموعات مثل الإرهابيين سيكون لها تبعات اجتماعية أقل.
على أساس هذه النتائج، يمكن لنا أن نستنتج أن الفكاهة الاستحقارية التي تستهدف المجموعات المضطهدة أو البائسة هي هدامة بشكل أساسي وعليه لابد من ممارسة الرقابة عليها. ولكن، المشكلة الحقيقية قد لا تكون في الفكاهة بحد ذاتها ولكن في وجهة نظر الجمهور المتساهلة بأن “الدعابة هي مجرد دعابة،” حتى وإن كانت استحقارية. إحدى الدراسات استنتجت أن مثل هذا “الاعتقاد الفكاهي المتأدب” قد يكون فعلياً مسؤول عن بعض التأثيرات السلبية للفكاهة الاستحقارية. بالنسبة للأشخاص العنصريين، الاعتقاد بأن “المزحة الاستحقارية هي مجرد مزحة” تتفه من الظلمالذي عانته المجموعات الاجتماعية المضطهدة تاريخياً – بما في ذلك النساء، المثليين، الأقليات العرقية و الأقليات الدينية – مما يزيد من مزاجهم العنصري.
هل يمكنك أن تكون ’طرفاً في المزحة‘؟
إضافة الى ذلك، إذا ما أطلق أحدهم فكاهة استحقارية بنية إيجابية للكشف عن غرابة التنميط والعنصرية، فإن هذه الفكاهة قد يكون لها إمكانية تقويض وإحباط العنصرية.
كريس روك هو كوميدي معروف باستخدامه الفكاهة الاستحقارية الهادمة التي تتحدى الوضع الراهن للتمييز العرقي في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، في منولوج افتتاحيته لحفل جوائز الأكايديمية 2016، استخدم هو الفكاهة لجذب الانتباه للتمييز العرقي في مجال صناعة الأفلام وفي علاقات السباق نحو القمة بشكل عام:
أنا هنا في حفل جوائز الأكايمية، والتي هي معروفة باسم جوائز اختيارات الأشخاص البيض. تعرفون أنه لو أنهم يرشحون مضيفي الحفل، فلن أحصل أنا على هذه الوظيفة أصلاً. ستكونون جميعكم تشاهدون نيل باتريك هاريس الآن.
المشكلة هي أنه وحتى تحقق الفكاهة هدفها للحد من العنصرية، على الجمهور أن يتفهم ويقدر هذا الغرض. وليس هناك من تأكيد بأنهم سيفعلون.
وصف الكوميدي ديف تشابيل مشكلة التفسير هذه في مقابلة مع أوبرا وينفري في 2006. ناقش هو مشهد فكاهي يلعب فيه دور جني يظهر بوجه أسود.
لقد كانت هناك نية طيبة خلف المشهد. بعدها، حين كنت في الموقع، ونحن نقوم أخيراً بتصوير المشهد، أحد الموجودين في الموقع [والذي] كان أبيض ضحك بطريقة – أعرف أنا الفرق بين الناس الذين يضحكون معي وهؤلاء الذين يضحكون علي – وكانت تلك هي المرة الأولى تماماً التي تحصلت فيها على ضحكة لم أكن مرتاح لها. ليس فقط غير مرتاح، ولكن قلت، هل يجب علي أن أفصل هذا الشخص من العمل؟
إن نوايا تشابيل بتقديم كوميديته المشحونة بالتمييز العرقي قد أُسيئ فهمها. فمن خلال سخريته من النمطية، كان هو يرمي لجذب الانتباه لسخافة التمييز العنصري. رغم ذلك، أصبح واضحاً أنه ليس كل شخص قادر أو متحفز للنظر أبعد من العروض النمطية الكوميدية لتشابيل لكي يصل لفهم نواياه الهادفة لتقويض هذا التمييز.
إحدى الدراسات وجدت أن الأشخاص الأكثر عنصرية هم تحديداً من يميلون لإساءة فهم الكوميديا الهادمة للتمييز. درس الباحثون في السبعينيات المتعة المحيطة بالمسلسل التلفزيوني “All in the Family”، والذي كان يركز على الشخصية المتعصبة لأرجي بنكر. وجد هؤلاء أن الأشخاص ذوي العنصرية المنخفضة تلقوا مسلسل “All in the Family” على أنه سخرية من التعصب وأن أرجي بنكر كان هو المستهدف كوميدياً. لقد وصلت لهؤلاء النية الحقيقية للمسلسل بهدم وتقويض التمييز.
في مقابل ذلك، الأشخاص ذوي العنصريات المرتفعة تمتعوا بالمسلسل لسخريته من المستهدفين من قبل عنصرية أرجي. وعليه، بالنسبة للأشخاص مرتفعي العنصرية، فإن الفكاهة الاستحقارية المقوضةللتمييز في المسلسل قد ارتدت عكسياً. عوضاً عن جذب الانتباه الى غرابة العنصرية، بالنسبة لهؤلاء أوصل المسلسل معيار عنصري متضمن، مظهراً قبول وتسامح مع التمييز.
الأبحاث السيكولوجية تشير الى أن الفكاهة الاستحقارية هي أبعد من “مجرد مزحة” بكثير. بغض النظر عن نية هذه الكوميديا، عندما يفسر العنصريون الفكاهة الاستحقارية على أنها “مجرد مزحة” تهدف الى السخرية من هدفها وليس من العنصرية بحد ذاتها، يمكن أن يكون لها تبعات اجتماعية خطيرة كمنتجة للعنصرية.