الرَّبع

أذكر عنصريينا أن رائحة ممثلهم العالمي فاحت، وأن نهايته السياسية قربت، على ما أتنبأ وأتمنى، وأن ذيل الكراهية عموما قصير، لربما أعادوا النظر في آرائهم، وإن لم يستطيعوا فعلى الأقل في أسلوبهم الوقح بصراحته وفي كلماتهم المخجلة في عريها.

للعنصري سمة تسري على كل أفعاله وأقواله، تكاد تتعرف عليه دون الحاجة لرؤية وجهه، فقط من سماع الألفاظ، من تحري الآراء، من الإنصات لنغمة الصوت، كل ما يأتيه له بصمة كما ضربة فرشاة فنان شهير على لوحاته. للعنصري ملامح وجه كريهة مهما بلغت وسامته، لفحيحه رائحة مهما عطر فمه، لروحه ثقل مضجر مهما تفكه ومزح. العنصري عنصري في كل مناحي حياته، في كل رؤاه وقراراته، في كل أحكامه وتقييماته، تكاد تتنبأ بأفكاره قبل حتى أن يتفوه بها. العنصري إنسان لزج، لحديثه رذاذ ولصوته فحيح ولتعابير وجهه غلظة تستقي نفسها من داخله المريض، إلا أن للعنصري ميزة لا إرادية وحيدة، هو واضح حتى وهو يتجمل، فعنصريته لا تلبث أن تذيب كل مساحيق وجهه، ليطل علينا تشوه روحه مهما حاول هو أن يستره.

ومع ذلك مازلنا نتفاجأ من قرارات الرئيس الأميركي، وكأنها غريبة عن شخصيته، لربما نحن معذورون من حيث عدم توقعنا لصفاقة عرض القرارات ووقاحة إشهارها، فالإدارات الأميركية السابقة التي لا تختلف كثيراً في سياساتها الخارجية عن الإدارة الحالية، لم تخلُ من درجة من الدبلوماسية تخفي بها استبداد أميركا العالمي وتحفظ من خلالها ماء وجه المتخاذلين أمثالنا. اليوم أميركا “صلعت”، لم يعد يهمها مظهر سياستها الخارجية المليء بالندبات القبيحة، كشفته وكأنها ترفع غطاء قدر قديم عفن الفحوى، كلنا نعرف ما فيه وكلنا نكذب على أنفسنا حوله. حين جاء كلينتون تمنينا، وحين تلاه بوش تأملنا، وحين تبعه أوباما قلنا خلاص، هو هذا الرجل ذو الاسم الأوسط العربي الذي سيحقق الأمنية ويحق الحق. إلا أن “نقبنا طلع على شونه” في كل مرة، إلا هذه المرة، فمع السيد ترامب “نقبنا” لا طلع ولا نزل، نقبنا أصابه الشلل.

لربما السياسي الواضح هو العدو الأفضل، على الأقل وضوحه يحذرك ويعدك للمصائب القادمة على يديه، إلا أن الوضع الفلسطيني لا يحتمل وضوح ترامب، فكل ما بقي لنا اليوم هو الأمل والحلم، ومصادرة هذين تسلب الضعفاء أمثالنا كل ما تبقى حتى لا يعود لديهم شيء يخسرونه، وليست هذه الدرجة من اليأس والفقد بجيدة مطلقاً على أي صعيد. كما أن هذه الصراحة الوقحة أغاظت بقية العالم المشمئز أصلاً من كل شيء حول الانتخابات الأميركية الأخيرة، وها هم حلفاء الأمس ينقلبون إلى ناقدين ولربما أعداء اليوم. لربما ليس لكل ردود الأفعال هذه أثر مباشر على الوضع الفلسطيني، ولكن سيكون لها، وعلى المدى الأبعد، أثر مباشر وغير مباشر، وستسقط السياسة الترامبية كما سقطت سابقاً كل سياسة فاجرة أصر عليها عنصري عنيد.

ومن هنا، أذكر عنصريينا أن رائحة ممثلهم العالمي فاحت، وأن نهايته السياسية قربت، على ما أتنبأ وأتمنى، وأن ذيل الكراهية عموما قصير، لربما أعادوا النظر في آرائهم، وإن لم يستطيعوا فعلى الأقل في أسلوبهم الوقح بصراحته وفي كلماتهم المخجلة في عريها. لربما حاولوا تغطية وجهة عنصرياتهم القبيحة وهم يرون نجم كبيرهم يأفل، لربما خففوا فحيحهم وحجبوا كلماتهم ولو من باب إذا بليتم فاستتروا. الدنيا تتغير، عل قرار ترامب هذا يكون مؤشر نهاية حقبته وحقبة “ربعه” الذين على نوعيته معه، آمين.