نحن نحمل على كاهلنا إرثاً ثقيلاً قديماً، نبني قواعد حياتنا على أساس فكري مهترئ، عمره آلاف السنوات، أساس حفره الجهل والقصور العلمي القديم الذي أسس لمخاوف الإنسان من المجهول، ثم أفرز كل التفسيرات ما فوق الطبيعية مثل الأرواح والأشباح، وكل المشاعر غير العقلانية مثل التفاؤل والتشاؤم.
دارت قبل أيام رسالة تلفونية تحمد الله على المطر وتربطه بخروج مجموعة من النواب من المجلس الذين “منذ أن دخلوه لم نرّ المطر إلا ما ندر”. وبغض النظر عن التدليس الصريح في هذه الرسالة حول امتناع المطر عنّا سابقاً، وهو الأسلوب الأكثر استخداماً ليس فقط بين الجماعات الدينية التي لها منهجية مقننة وأغراض سياسية واضحة، ولكن حتى بين الكثير من الأفراد المتدينين على الصعيد الشخصي، وكأن التدين يوعز بفكرة “الغاية تبرر الوسيلة”، وأن الكذب الصريح وإخفاء الحقائق إن كان في صف الدين، أصبح حلالاً محموداً، أقول، بغض النظر عن هذا التدليس، فإن مشكلة هذه الرسالة أبعد من ذلك بكثير.
نحمل نحن على كاهلنا إرثاً ثقيلاً قديماً، نبني قواعد حياتنا على أساس فكري مهترئ، عمره آلاف السنوات، أساس حفره الجهل والقصور العلمي القديم الذي أسس لمخاوف الإنسان من المجهول، ثم أفرز كل التفسيرات ما فوق الطبيعية مثل الأرواح والأشباح، كل المشاعر غير العقلانية مثل التفاؤل والتشاؤم، وكل الاحترازات غير المنطقية التي بدورها أفرزت طقوساً يحمي بها الإنسان نفسه من المجهول المرعب. عالم قديم رهيب مجلل بالسواد، مفعم بالمخلوقات اللامرئية، محكوم بالنوازع الفردية التي تستحسن وتستنكر ثم تجعل من استحسانها واستنكارها قانوناً ربانياً يقضي في أمر البشر.
جاء التنوير فنور الدنيا، في ضيائه الساطع استطاع الإنسان أن يرى الكثير من الحقائق، فعندما يفيض الماء، لم يكن إله النهر هو الذي أفاضه، بل ظاهرة علمية بسيطة لها تفسير واضح ومنطقي، وكذا عندما تقوم العواصف وتحل الأمراض، كل هذه الكوارث التي كان يعتقد الإنسان أنها عقوبات من الآلهة، أصبح لها تفسيرات علمية، ولاحقاً طرق وقائية للحماية منها وتجنبها. جاء التنوير، إلا أنه لم يستطع أن يقشع الظلام الدامس في المنطقة العربية والإسلامية، الظلام الذي عمقته عادات بائدة وتطرفات دينية متجذرة حاربت كل أمل في ولوج النهار من الليل الطويل. وها نحن قد وصلنا إلى القرن الحادي والعشرين، قرن توصل الإنسان فيه إلى نظرية الانفجار العظيم لتكون العالم، ولحقائق التطور الدارويني لتشكيل الإنسان، ولوقائع انتهاء هذا الكون بعد خمسة مليارات سنة، قرن استطاع فيه الإنسان أن يستنسخ المخلوقات ويحدد نوع الجنين قبل أن يتكون، قرن توصل من خلاله الإنسان إلى علاجات لمعظم الأوبئة التي كانت تهدد حياته ولفهم عظيم للوعي والسيكولوجية الإنسانيين، وهنا، في الشرق الأوسط المسكين، مازلنا نعتقد أن الله يحابي معسكراً على آخر، وأنه يفضل فريقاً على فريق، وفي الحروب يساند فئة ضد أخرى، بل حتى في الصراعات الانتخابية في دولة صغيرة مثل الكويت، يأخذ الخالق دوراً، فينضم إلى المشاركين أو يقف في صفوف المعارضين، لتدور عندنا رسالة تحمد الخالق الذي خلصنا من هؤلاء النواب ليهبط علينا المطر كما لم يفعل من قبل. أي داء هذا وأي علّة تلك؟