من المثير للعجب والحزن معاً قراءة النقد النسوي الغربي للقرون الماضية وملاحظة مدى تطابق مشاكل ماضيهم مع مشاكل حاضرنا رغم فواصل الزمن الطويلة. بعض هذه المشاكل عميقة جداً، مثل مشكلة اتهام المرأة بالانفعال العاطفي و«الهستيريا» وهو التشخيص الذي كان ملازماً للإناث متى ما أصابهن أي توعك جسدي أو نفسي، وهي المشكلة التي تعاملت معها الكثير من النسويات، ربما تكون أوضحهن الروائية والناقدة شارلوت بيركنز غيلمن. هناك كذلك معضلات النظر للمرأة على أنها كائن أقل في قدراته العقلية، محكومة بالحياد عن الطريق الأخلاقي، في حاجة إلى حماية ووصاية مستمرين، وغيرها من الأفكار التي باتت «مطروفة» تماماً في المجتمعات الغربية ولكنها لا تزال تشكل عناوين رئيسية في حياة النساء الشرقيات. هناك كذلك مشاكل مضحكة، صغيرة ودقيقة ويومية، إلا أنها تؤثر في حياة النساء بدرجة تفوق كل تصور، ورغم صغر وفكاهة هذه المشاكل إلا أنها لا تقل خطورة عن المعضلات الضخمة من حيث التأثير على حياة المرأة وصورتها المجتمعية وتقييمهما الحقوقي والإنساني.
تتحدث نسوية القرن التاسع عشر سارا ويليس بارتون، والمعروفة باسم فاني فيرن، في مقالة قصيرة لها، عن كتاب كان منتشراً في زمنها عنوانه «دليل الزوجة الصغيرة» الذي سخرت منه الكاتبة قائلة: «وكأنه حين تتعثر الأمور، فما على الزوجة سوى أن تركض صاعدة الدرج، تقرأ فصلاً من «دليل الزوجة الصغيرة» والملائم لشكواها، ثم تعود هابطة الدرج لتضع تلك الضمادة عديمة القيمة على الجرح الزوجي». تتحدث فيرن عن نصيحة محددة في ذلك الكتاب بسخرية، ألا وهي نصيحة «دائماً قابلي زوجك بابتسامة». تتساءل معطية بعض الأمثلة أن ماذا لو قلبنا الوضع، ماذا لو كان على الزوج أن يعود للبيت بابتسامة مهما صادف من متاعب يومه، ومهما عانى مع رئيسه في العمل، أو ساء سير الانتخابات؟ «حسناً إذن -تكمل هي- في لحظات الارتباك، هل الأشخاص يضحكون في العموم؟ أليس في هذا تطلب كبير من طبيعة الأنثى كما من طبيعة الذكر، أن يكون عليهم القيام بذلك إذا ما وقع حريق في متجر الرجل، وليس هناك تأمين عليه؟».
تقول فيرن أن مؤسسة الزواج، كما تراها هي، «إنما هي مشاركة في أحزان بعضنا، كما هي مشاركة في أفراحنا». وتؤكد فيرن أن الصادقين سيحب بعضهم بعضاً أكثر حتى بسبب أحزانهم، وأن في ذلك تفادياً للنفاق والإفساد، كما وتصر هي على أن من كتبن مثل هذا «الدليل» هن نساء عجائز عاطفيات أو عازبات كبيرات في العمر لم يختبرن العلاقات الحقيقية، وهو توصيف استشكالي جداً في الحوار النسوي اليوم، إلا أنه كان مقبولاً في زمن فيرن. في كل الأحوال، كل المشاكل التي استعرضتها فيرن وكل التوصيفات غير المقبولة التي أتت هي عليها في خطابها النسوي لا تزال مطبقة، واضحة وحية في مجتمعاتنا التي لا تزال تحيا في ماض بعيد خصوصاً «حرملكها» هذا الجزء المجتمعي المحكوم بأن يبقى «مكانك سر» في حين تتحرك الدنيا كلها للأمام.
كانت قراءة مقال فيرن مؤلمة ومضحكة في الوقت ذاته، فلا تزال الكثير من النساء، قبل الرجال في الواقع، يروجن للأفكار ذاتها في مجتمعاتنا، أفكار كل مآلها المحافظة على وجود «الذكر» في حيواتنا. قبل فترة صادفني منشور يوجه النساء أن «كيف تطبخين زوجك» وهو منشور ينصح بطبخ الزوج في «قدر من الاهتمام والمحبة» لكن على نار هادئة، وأن «تملحيه بقليل من الابتسامة» وتتفادي النقاش والجدال والحساب والعتب. بدا المنشور بألوانه وتصميمه وكأنه قادم من زمن بعيد، ورغم غباء المحتوى تماماً إلا أنه كان غاية في الكوميديا بسذاجة فحواه ورداءة تصميمه، ففي القرن الحادي والعشرين بمشاكله المستعصية المعقدة، وبتطور طبيعة العلاقات بين الرجال والنساء، وفي خضم كل التحركات النسوية في شرقنا الأوسط الرامية لحماية النساء والمحافظة على حيواتهن من مؤسسات ذكورية مستمرة في حرمانهن وتعذيبهن بل وقتلهن، تأتي السيدة المصممة لهذا المنشور لتشير علينا بحيلة للاحتفاظ بالزوج عن طريق طريقة مطولة «لطبخه». نبشر السيدة مصممة المنشور: لا داعي لكل ذلك اليوم، فقط ضعي الزوج في المايكرويف وخلصي نفسك.
ما زال الكثير من الأمهات ينصحن بناتهن بأن يكن إماء لأزواجهن حتى يكون الأزواج عبيداً لهن، ما زالت الكثير من النساء يتبادلن الوصفات «التمثيلية» في كيفية إرضاء وإخفاء هموم اليوم عن «ذكورهن» وكأن الهدف من مؤسسة الزواج هو تكوين مزرعة عبيد، أو وكأن الهدف الأخير من أي علاقة بين اثنين هو إرضاء الرجل لا خلق حالة عاطفية صادقة وحقيقية يتبادل فيها الطرفان المشاعر والأحزان والشكاوى بصدق وبما يعمق العلاقة بينهما ويزيدها لحمة. ما زال الكبار، رجالاً ونساء، يعلمون الصغيرات أن الهدف الأول في الحياة هو الحصول على ذكر، والهدف الثاني هو الاحتفاظ به. الحقيقة هي أن الهدف يجب أن يكون العدالة، العدالة قبل السعادة، كما تقول سيمون دو بوفوار. ولكي نكون إنسانات سعيدات، لا بد لنا أن نكون إنسانات مكتملات، لا «روبوتات» تبتسم بآلية وتطبخ الأزواج في قدور قديمة. كلنا –نحن النساء- مسؤولات عن الصغيرات القادمات لهذه الحياة. وعليه، فكلما رأيتن صغيرة أسررن في أذنها: «لا تبتسمي إلا إذا أردت، واحرصي على امتلاك مايكرويف».
المادة المترجمة والمقتبسة كلها من مقال للنسوية فاني فيرن بعنوان
«Moral Molasses; or, Too Sweet by Half»