يدور الآن حوار ساخن في الكويت حول موضوع «الكوتا» النسائية في البرلمان الكويتي على إثر تقديم مقترح بها من رئيس مجلس الأمة السابق (المجلس في طريقه للحل خلال الشهرين المقبلين)، وهو المقترح الشعبوي الذي يبدو أنه قشة انتخابية يتعلق بها مقدم المقترح بعد المشاكل الكثيرة التي خلقها في السنوات الأخيرة من عمله السياسي. وعلى حين أن المقترح يبدو بوضوح أنه دغدغة مشاعر وتذكير بليبرالية وديمقراطية مقدمهما، وهو تقييم أختلف معه بشدة، إلا أن طرحه قد يعم بفائدة الدفع بفتح حوار يفضي إلى إعادة تقييم المشهد السياسي بأكمله والمشهد السياسي النسائي بشكل أكثر تحديداً.
وعلى الرغم من أن الكوتا أداة معمول بها حتى في أعرق الديمقراطيات العالمية، وهي أداة مؤثرة في ضمان الحقوق وحماية الأقليات، إلا أنني لا أميل لها مطلقاً، خصوصاً في الفحوى الكويتي. الكويت قديمة التجربة الديمقراطية، ومشاركة النساء ليست بجديدة ولا مستغربة، ولقد قدمت انتخابات 2009 البرلمانية أربعة نساء نائبات وذلك في ثاني تصويت انتخابي بعد حصولهن على الحقوق السياسية، حيث حصلت النساء على الحقوق السياسية في 2005، ثم جرت انتخابات في 2006 التي لم تقدم أي نائبات، ثم انتخابات 2009 التي قدمت أربعة منهن. النساء الكويتيات لسن جديدات على المشهد ولا مستغربات في حيزه السياسي.
ورغم ذلك، تعاني المرأة الكويتية من التمييز والعراقيل والمصاعب ذاتها التي تعاني منها النساء في العالم أجمع، والعربيات تحديداً بشكل أكبر، والخليجيات في تحديد أعمق. فمن عراقيل اجتماعية وتقاليدية إلى محظورات دينية إلى مفاهيم سمعاتية، تعاني النساء في كل خطوة من خطوات حيواتهن من تلك الحوائط المتينة التي تبنيها هذه العراقيل بين النساء وأهدافها. ورغم ذلك، وعلى عادة معظم الحلول الفوضوية المقدمة لمشاكل النساء، فإن الكوتا، بصورتها المطروحة حالياً على الساحة الكويتية، ليست هي الحل. لا يمكن لبيئة سياسية أن تكون صالحة ومريحة وآمنة للعمل بلا تقنين للأحزاب السياسية، وهو ما تفتقر له الساحة الكويتية. لو أن المقترح المقدم قد بني على تقنين حزبي واضح وقوي، يمكن ساعتها الحديث بشكل أوضح عن نظام كوتا بداخل التكوين الحزبي. هكذا مقترح سيكون أكثر توازناً وعدالة وديمقراطية، والأهم، احتراماً لتاريخ المرأة الكويتية في العمل السياسي.
وتوازياً مع ذلك، لو صدقت نوايا مقدمي مثل هذه المقترحات في تحقيق العدالة للمرأة الكويتية، لا بد أن تقدم مقترحات أخرى تقوي ظهر المرأة كمواطنة مكتملة الأهلية، بتفعيل مواطنتها الكاملة خصوصاً من حيث تمريرها لجنسيتها لأبنائها أولاً وقبل كل شيء. بعد ذلك تأتي الخطوة المهمة جداً بتقوية موقف المرأة الاجتماعي من خلال التغيير الحقيقي والفاعل في قوانين الأحوال الشخصية، وهي الخطوة الملحة في الدول العربية والإسلامية كافة، والتي تعتمد قراءات شرعية في قوانين الأحوال الشخصية.
القوانين في كل دول العالم تستمد فحواها ومفاهيمها وروحها من عادات وتقاليد وثقافات وأديان مجتمعاتها، هذا مما لا خلاف عليه، إلا أن ما يجب أن يضبط هذه العادات والتقاليد والثقافات والأديان ويوحد قراءاتها ويضمن عدم جورها على طرف مقابل طرف هي المفاهيم المدنية والديمقراطية الحديثة، والتي قد يكون مسموحاً لها أن «تتأثر» بالعادات والتقاليد والثقافة والقراءة الدينية، ولكن لا أن «تتشوه» وتتناقض مع نفسها بسببها. حتى تصبح المرأة مواطنة قوية مكتملة الأهلية، يجب أولاً أن تكون إنسانة كاملة قوية مكتملة الأهلية. يجب أن تكون رئيسة أسرتها كما الرجل تماماً، وأن تكون منتصفة المسؤولية والحقوق مع الرجل، وأن تدخل العلاقة معه بإرادتها وتخرج بإرادتها وألا يتم تمييزها أو التمييز ضدها بأي صورة أو شكل بسبب جنسها.
حين تقدمون مقترحاً يوفر هذه الدرجة من العدالة ويستوفي هذا المستوى من الحقوقية، تعالوا نتكلم بعدها عن العدالة والاستحقاق السياسيين النسائيين. المرأة التي لا تساوي إخوانها أو زوجها بل ولا حتى أبناءها الذكور في بيتها، أي مقترح يمكن أن يعادلها بزملائها الذكور في برلمانها؟