كان أحد مخرجات مؤتمر القمة الخليجي الأخير في الدوحة “إعلان حقوق الإنسان لدول مجلس التعاون”، والذي تناوله د. غانم النجار في مقاله ليوم الأربعاء الماضي متحدثاً عن عدد من الثغرات، سواء من حيث المضمون أو القدرة على التنفيذ فيما يخص هذا الإعلان. المفارقة الحقيقية بالنسبة إلي في هذا الإعلان هي أنه، وفي حين هو إعلان حقوق إنسان، أي أنه يجب أن ينظر للإنسان بحياد تجاه أصله أو جنسه أو دينه أو لغته أو لونه كما ينص هو ذاته في المادة 2 منه، ينص ويؤكد في أكثر من موقع كذلك على تأثير الدين الإسلامي على تطبيق مواد الإعلان. إن هذا الذكر لدين معين، حتى لو كان دين أغلبية، يتناقض أصلاً وروح أي إعلان حقوقي والمبادئ الأساسية التي تبنى عليها مواد هذا الإعلان.
تشير المادة 6 مثلاً إلى أن “حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية حق لكل إنسان، وفقاً للنظام “القانون”، وبما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة”. هنا استدارت المادة على نفسها، حيث ناولت حقاً باليمين لتسحبه بالشمال، كما تنص المادة 7 على أن (احترام الأديان السماوية وعدم ازدرائها أو التطاول على أنبيائها أو رموزها، واحترام التنوع الثقافي للأمم الأخرى مكفول، وفقاً للنظام “القانون”). وهنا، وعلى الرغم من أن ما نعتبره ازدراء وتطاولاً قد دخل اليوم في حيز الرأي بالنسبة إلى إنسان القرن الحادي والعشرين، إلا أنه نظراً لظروف المنطقة الساخنة يمكن تفهم سبب النص على هذا النوع من المواد، إلا أن المادة تبقى عائمة على عوم قانون مطبوعاتنا في الكويت، فما تعريف الازدراء؟ وما التطاول؟ يبقى المفهومان متروكين لأصحاب القرار، وهو ترك مخيف وتهديدي وسالب للحق الإنساني الأصيل في حرية التعبير.
تأتي المادة 9 مرة أخرى لتنص على “حرية الرأي والتعبير عنه حق لكل إنسان، وممارستها مكفولة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، والنظام العام والأنظمة (القوانين) المنظمة لهذا الشأن”. مرة أخرى تتحد الشريعة الإسلامية يداً بيد مع القوانين الداخلية لتشكل خطوطاً حمراء أمام الحريات، حيث تأخذان قوى أكبر من قوى الإعلان بحد ذاته، وهو ما يلغي أهمية الإعلان ويدحض تأثيره. المادة 13 تقول بأحقية كل إنسان في الجنسية “ينظم منحها النظام “القانون”، ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدوده”. وفي حالة مثل حالتنا في الكويت، يكون الوضع “كأنك يا أبا زيد ما غزيت”.
تعود المادة 15 لتؤكد أن الزواج حق ولكن (وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام “القانون”)، كما أن للطفل حق “الحماية من الاستغلال الاقتصادي” وفق المادة ،19 وذلك “بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية” ثم إن “الإرهاب انتهاك لحقوق الإنسان وهو محرم ومجرم بكل صوره وأشكاله، بموجب أحكام الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية” في المادة 40 منه، لتأتي المادة 44 بنصها على أن (مع عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية والنظام “القانون”)، فإن ممارسة الحقوق والحريات المنصوص عليها بهذا الإعلان والتمتع بها، حق لكل إنسان”. والمادة 46 بنصها على أن “على كل إنسان واجبات إزاء مجتمعه، ولا يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته الواردة في هذا الإعلان، إلا للقيود التي يحددها النظام “القانون”، لحماية واحترام حقوق وحريات الآخرين والنظام العام”.
هكذا نرى أن الشريعة الإسلامية وقوانين البلدان الموقعة على الإعلان ستكون أقوى من مواد الإعلان نفسه، هذا وهناك الكثير من التعبيرات العائمة غير المفهومة، فكيف يحمى الطفل من الاستغلال الاقتصادي وفق الشريعة الإسلامية؟ وما تعريف الإرهاب وفق هذه الشريعة؟ هل ستجتمع الآراء الاسلامية على اعتبار “داعش” و”القاعدة” منظمتان إرهابيتان؟ هل يقع “حزب الله” في ذات الدائرة؟ وكيف يكون لإنسان حرية المعتقد في ظل شريعة دينية محددة؟ وفي حين أنه لا يمكن أن ننكر الكثير من المواد الإنسانية الرصينة الواردة في الإعلان، إلا أنه تصعب رؤية الكيفية التي سيحمي بها هذا الإعلان الأشخاص المعنيين، هذا فضلاً عن أن، وكما يقول د. النجار، هذا الإعلان “هو إعلان مبادئ غير ملزم، ولا توجد فيه آليات إلزام للدول الأطراف”.
من حيث الشكل تبدو الوثيقة جميلة ومرضية، فهي من جهة تجميلية لتغطية الوضع الإنساني في دول الخليج، وهي من جهة أخرى تضع قوانين البلدان والشريعة الإسلامية على قمة الهرم التفعيلي للمواد بما يرضي محافظي ومتديني هذه الدول الذين يرون في تطبيق الشريعة، وإن جاروا في فهمها، عاملا أهم وأكثر صوناً للمجتمع من تطبيق المبادئ الحقوقية التي تفتح أبواباً هم ليسوا على استعداد للتعامل مع رياحها.
كيف سيحمي الإعلان من يرغب في تغيير دينه مثلاً أو من تسحب جنسيته بلا محاكمة أو من يطلق رأياً مختلفاً حول التاريخ الإسلامي أو غيرها؟ ماذا يقدم لهم هذا الإعلان؟