إحراج

وما زلنا نفجع ونصدم وننبهر كلما صدر فعل من أعضاء الجماعات الإسلامية وكأننا نمنا ليلة أمس على خد كارل بوبر وصحونا اليوم بجانب سيد قطب. الحق يقال، الجماعة منظمون، ممنهجون، سائرون قدماً في برنامجهم، عندهم هدف واضح، يسعون إليه بهمّة، ولم ينفوه بصريح العبارة في يوم. نحن، الشعب، الشارع العادي، بما فينا أصحاب الفكر المدني والليبرالي، نحن المهزوزون المتأرجحون، يوم نخطو خطوة، وعشرة نجمد خوفاً في أماكننا، نتحدث عن آمالنا وتطلعاتنا بحياء، هو إما نتاج خوف من خطاب ديني ترويعي متطرف، وإما نتاج خوف على مصالح تتطلب التملق للجماعات الإسلامية ومجاراتهم في توجهاتهم. هم يسيرون انتظاماً، ونحن نرقص حولهم رقصة هزلية، هذا هو واقع الحال الذي يجب أن نقر به لنحظى بفرصة معالجته.

السيد محمد هايف لم يأتِ بجديد، هو لم يقف للنشيد الوطني من قبل ولن يقف له فيما بعد، لم ينافق ولم يتلون، هو لا يؤمن بالدولة المدنية الحديثة، إنما يسير في طريق البرلمان ليصل إلى الدولة الشرعية الدينية التي لا تعتمد نشيداً وطنياً ولا علماً ولا برلماناً ولا ديمقراطية، حياالله مجلس شورى، وهيئة علماء دين وانتهينا.

أكاد لا أخفي شيئاً من الإعجاب تجاه موقف هذا الرجل، فهو، بالرغم من إيماني الكامل أنه ومن يفكر مثله، سيهدمون كل ما بنيناه للكويت وما فيها من مدنية وتقدم، فإنه واضح وصريح وثابت عند موقفه، لا يهمه في مبدئه لومة لائم. أما الدكتور وليد الطبطبائي، فهو يحاول أن يمارس اللعبة السياسية، يهادن إلى أن يصل، إلا أن لسانه يخونه في أحايين كثيرة، فينطق بما لا يود قوله وكأن قلبه يقسر لسانه. الطبطبائي رجل سياسة ينتهج الدين، في حين أن هايف رجل دين يمارس سياسة. واضحان هما، ومقروآن منذ أن دخلا حلبة السياسة، فلم كل هذا «الانفجاع» فيما سكتنا عليه بل وأكاد أقول ساعدنا في صنعه؟

لم يقف نائب للنشيد الوطني وآخر لم يبدِ التقديس المدني المطلوب للعلم ففجعنا وتألمنا، وكتبنا الافتتاحيات والمقالات، ومن قبلها فجعنا في مطلب تعديل المادة الثانية من الدستور ثم في تقديم قانون إعدام المسيء للنبي، وهكذا نحن، «قاعدين وننفجع»، والموضوع سار منذ الأربعين عاماً وتزيد. المثير في الموضوع، أننا نختار الأهون والمتوقع لنفجع به، فماذا عن عشرات القوانين غير الدستورية التي تعمل معاول الهدم في مدنية الدولة؟ ماذا عن المناهج الدراسية التي تكفر طائفة، وتتهم بالفاحشة والفساد معظم أهل الكويت وهي تقر الملبس والمنهج الحياتي والفلسفة السلفية على أنها الحق وغيرها باطل وكفر؟ ماذا عن التحالفات الحكومية الدينية، فجة في وجوهنا، تتجلى في مقرات وإفاضة بالأموال وغضاضة في الأبصار، حتى كبر القط الأليف الذي اعتقدت الحكومة أنه سيبقى تحت جناحها ليصبح أسداً لا ينفك يزأر فترتعش الأطراف ويتساقط الوزراء وينتهك الدستور ومعه كل رموز الدولة المدنية؟ للنشيد الوطني مقام رفيع، وللعَلم قدسية مدنية خاصة، ولكننا سكتنا عن انتهاك العِلم والقوانين والحريات والدستور، وما انتهاك النشيد والعَلم سوى تحصيل حاصل للسكوت عن انتهاك ما هو في صميم حياتنا وفي وقائع يومياتها وفي لب تشكيلها. عموماً، السؤال الأهم هو: الآن وقد فجعنا، ما نحن فاعلون؟… إحراج، أليس كذلك؟

«آخر شي»:

كلنا نعرف أن د. عبيد الوسمي قد ضُرب وأُهين، وكلنا نعرف أن ضاربيه تبرأوا بحيثيات ومخارج دقيقة، وكلنا نعرف أننا كلنا بتنا عرضة للضرب إذا أتت أوامر وزارية عليا، وأنه حتى الدليل على الضرب لن تكون له قيمة أمام تلك الأوامر. نحترم القضاء، نعم، أحكامه إنسانية قابلة لأن تكون خاطئة، نعم، سيسهل ضربنا بسبب حكمه بعد اليوم… نعم.