قبل أيام، أقام عدد من النواب والناشطين ندوة بعنوان “مهلا يا دعاة الاختلاط” لربما بوستر دعايتها كفيل بإظهار غرابة وانعزالية المنطق الذي يرمون إليه، البوستر يحمل في أعلاه صورة النائب حمود الحمدان وأسفله صورة لأربعة وعشرين نائباً مشاركين داعين “دعاة الاختلاط” للتمهل. شيء ما في البوستر يثير الريبة، يلفت الانتباه إلى نوع من أنواع الأمراض النفسية، يتجلى من خلال صورة تحمل نوعاً واحداً من البشر، شكلهم واحد، هيئتهم واحدة، ونوعهم واحد. هذا الانعزال والتقسيم، هذا اللون الواحد والفكر الواحد والرؤية الواحدة هو تعبير عن انغلاق نفسي خطير ومرض روحاني مميت. اللون الواحد لا يخلق بشراً طبيعيين، والانعزال لا يكون مجتمعا صحيا، والريبة من جنس آخر، لون آخر، أصل آخر، هي مرض عضال، إذا أصاب مجموعة قضى عليها نفسياً وفي الغالب جسدياً كذلك.
لكن، هذا ليس موضوعي، موضوعي هو ما حدث بعد الندوة، فقد زرت حساب النائب على “تويتر” لأجد صفاً منمقاً من أسماء وأبحاث مذكورة في تغريدات عدة حول توجه الغرب لفصل الدراسة المشتركة والتدليل على صحية الدراسة المنفصلة وتفوق طلابها. طبعاً أنا لا أفهم لماذا يستشهد هؤلاء المؤمنون بالغرب الكافر، هذا الغرب الذي حرر المرأة وزواج المثليين وأطلق من الأبحاث الكثير للتدليل على صحية المشروبات الكحولية مثلاً، فهل يعني استشهادهم ببحوثه في مجال التعليم، الثقة ببحوثه في المجالات الأخرى، أم أن سمعهم يرهف لما يعجبهم ويصم عن غيره؟ وأنا لا أفهم لماذا يجب أن أثق بأي بحث يأتي من الغرب أصلاً؟ هل هم منزلون من السماء معصومون من الخطأ حتى يصبح لأي بحث من بحوثهم، حتى القادم من مؤسسات ضعيفة أو أشخاص مشكوك في أكاديميتهم، صيغة نافذة وفاعلة وقيمة عظيمة عندنا؟
لكنني أودعت هذه التحفظات جانباً وقلت دعني أطلع علني أستفيد، فناشر الأسماء والمشير إلى البحوث العلمية الرصينة هو نائب في مجلس أمتنا، على سلامته، السيد حمود محمد الحمدان، وقد جمع لفيفاً من النواب، أربعة وعشرين، يخزي العين، أكيد لجانهم الإعلامية تيقنت، لابد أن أحداً اطلع وقرأ، بلاش احتراماً للناخبين، ومش لازم توقيراً للشعب، ومش مهم “خزقاً” لعين الليبراليين عباد الغرب، بس على الأقل لأن الموضوع أمانة، وهم يؤمنون بالله ورسوله، ويعتقدون بالجنة والنار، لن يكذبوا هم، ولن ينشروا معلومات مغلوطة، إذا لم يكن احتراماً لمسانديهم ولا كيداً في أعدائهم فتجنباً للنار على الأقل، فالرب العظيم ليس مختصاً فقط بالنظر في عدد الركعات التي صلوها أو مدى وصول ماء الوضوء للكوعين، بالتأكيد لن يرضى الخالق القدير بأي غش أو تدليس، وهم لن يرضوا بغضب الرب الذي يعبدون.
وعليه بحثت أنا في الكثير من الأسماء المذكورة في تغريدات النائب والمرفقة باقتباسات من الأبحاث الشهيرة، فاتضح أولاً أن بعض الأسماء أصلاً لا وجود لها، وهناك كذلك استشهاد بصفحة إلكترونية تنشر “دراسات غربية” تبين من اسمها Younzine news + more for the young وفحصها أن الناشرين فيها أطفال وبالغون صغار، يستخدمون الصفحة للنقاشات التي تهمهم ويستقون منها معلومات مكتوبة من مؤسسي الصفحة بطريقة مبسطة مناسبة لأعمارهم. المقال المشار إليه كتبه طفل اسمه ستيفن، عمره 11 عاماً، والمقال يذكر حجج دعاة فصل الدراسة، الطفل في نهاية المقال يطلب من زملائه آراءهم، وتأتي معظم آراء الصغار تأييداً لدراستهم المشتركة.
كما أتى النائب على ذكر السيدة ليزا رايسون، وهذه، مدد يا رب، وجدت لها وجوداً حقيقياً. الصاعقة كانت أن الصفحة التي وجدتها تعطي ملخصاً لأنشطة المذكورة تنص على أن السيدة قادت مبادرات نتج عنها “تحول ناجح للدراسة المشتركة بعد أكثر من قرن عن كونها (أي جامعة ويلز التي ترأسها المذكورة) كلية نسائية”. وجدت كذلك المدعو أميليو فيانو، والذي أسماه النائب أميليو أفيانو فأتعبنا ونحن نبحث عنه تحت اسم خاطئ، والمذكور محام له أنشطة قانونية مجتمعية، لم يذكر من بينها أي نشاط تعليمي، ثم هناك كريس مايكل، له نظائر عدة كل من وجدتهم ذكور، أما من ذكرها النائب فهي أنثى موصوفة على أنها “خبيرة تربوية ورائدة التعليم المنفصل” هذه لم أجد لها وجودا، والسيدة كارولاين شوستر، مسكينة أتتها “التهايم” وهي نائمة على ما يبدو، فهي دكتورة في جامعة أسترالية لا أبحاث لها حول التعليم المنفصل حسب ما أسفر بحثي، في حين أن من ذكرها النائب هي خبيرة التربية الألمانية، وأعتقد أن هذه الأمثلة كافية، فلا أود أن أصحب القراء معي في رحلة البحث المضنية التي كانت.
طبعأً، قلت لنفسي، ونفسي أمارة بالسوء صراحة، قلت لها الواجب السؤال والاستفسار لا الحكم المسبق، فلربما أنا أخطأت أو عميت عن الأسماء أو فاتتني البحوث، وعليه توجهت للنائب بالسؤال وبعثت له وسائط “تويترية” كثيرة من الجنس الذكوري في معظمهم حتى ما نزعجه بوجودنا النسائي المحرم، أنه يرد؟ أبداً. يا سعادة النائب، أنا بنت الشعب وأنت تمثلني برضاي أو بدونه، أذن من طين، يا سيدي ممكن تفند الأسماء وممكن روابط الأبحاث العلمية؟ الأذن الأخرى من عجين. ثاني يوم صباحاً: يا سيدي الفاضل، يا أخي الكريم، وحياة الإخوة “عطنا ويه” إنه يرد، أبداً.
وبس، خلصت القصة، وسلامتكم وتعيشون.