وهل ننكر؟ موجودة هي الأصنام التي أتى على ذكرها النائب محمد هايف ومنتشرة في كل مكان، هذه الأصنام التي تقف شاهقة، تنتظر بطلاً قادماً على صهوة حصانه، هابطاً بفأسه الكبيرة على الرؤوس الصخرية الصغيرة، فيحطمها ومعها كل التابوهات والخرافات والتطرفات الفكرية.
طبعاً موجودة، وأثني على استغراب النائب هايف سكوت الحكومة بل الشعب الكويتي على وجودها. أكبرها يقف في مجلس الأمة، بيت الشعب، وضعها هناك بعض أفراد الشعب بحد ذاتهم، أصناماً لا تشعر ولا تتفاعل. تقف تلك الأجساد الصخرية جامدة، مدببة الأطراف، شائنة الوجوه، فلا تحرك ساكناً وآلام ما يزيد على مئة ألف إنسان يعيشون على أرض الكويت تراق أنهاراً في شوارع تيماء والصليبية والجهراء، قصص يذوب لها الصخر ترتطم متحطمة على الأجساد الصخرية المفرغة فلا حياة أو شعور أو تفاعل لمن تنادي. إنها أصنام درجة أولى، قد لا تكون مادتها صخراً، ولكن فولاذ، لا يمكن لآلام الدنيا أن تحدث انبعاجاً فيه، وإلا كيف لقصة أبناء الشهيد حمود ناصر العنزي التي ذكرتها الصديقة لمى العثمان في مقالها يوم الجمعة الماضي ألا تحدث زلزالاً يحطم حتى أعتى القلوب تحجراً؟ كيف لقصص الشهداء والأسرى الكويتيين البدون، بما فيها من انتهاكات واغتصابات وأسر وفقد، لتعود تلك العوائل، بعد انتهاء الغزو إلى واقع أكثر قسوة وعذابا، تهميشاً وإهمالاً بل تحقيراً وإذلالاً، وكأنهم لم يبذلوا الدم والروح والشرف، كيف لهذه القصص ألا تحفر ولو خنذقاً صغيراً من الدمع على وجوه هذه الأصنام الكريهة المنتصبة؟ أي بشر قادر على مثل هذا الحجود، ليسوا بشراً، إنهم أصنام… أصنام من فولاذ.
طبعاً موجودة هذه الأصنام، تخلو من الخلق الإنساني الرفيع ومن المشاعر الإنسانية الطبيعية كالخوف والقلق وتعذيب الضمير. تقف ناتئة الوجه كريهة المعالم. ففي حين يتساقط البشر، من لحم ودم، تحت آلات التعذيب السوري والقمع البحريني، تنتصب تلك الأصنام مهللة، ويا سبحان من أنطقها، مهللة للدم. هؤلاء يدافعون عن الإجرام السوري وعن مؤيديه، ناصبين المزيد من الأصنام باسم المذهب والعمامة، فوق أشلاء ودماء البشر، وأولئك يعتمون على النهج البحريني، يصمتون عن القتل والانتهاك في شوارع المنامة، ناصبين أصناماً من نوع آخر باسم المذهب واللحية، مفوضيها لمحاربة عدو إيراني حتى تقرير ملك البحرين نفى وجوده.
أصنام مرعبة عاتية التصخر، تتراطم في مجلس أمتنا الذي وضع لبناته الفكرية أجدادنا الأحرار الشرفاء، فيتشظى فتاتها مخترقاً أجسادنا جميعاً من الدعية والقادسية إلى الخالدية واليرموك وصولاً إلى القصر والجهراء ثم إلى الصباحية والفحيحيل. الناس تموت في سورية، وتقمع في البحرين، ونحن هنا، نمعن في تعذيب أهلنا البدون ليس فقط بالعنصرية القميئة، ولكن باللامبالاة التي هي أكثر حرقاً من أي نار أخرى، نحن هنا نتشظى عوضاً عن أن نتكتل، فنرسل الشظايا لقتلى سورية ومعذبي البحرين ولا ننسى أنفسنا وبعضنا بعضا، والأقربون أولى بالشظايا.
أصنام؟ والله صدقت يا “بوعبدالله”، الأصنام ملأت البلد، والكفار المرعبون، مثل هؤلاء الذين يظهرون في مسلسلات رمضان، مشعثي الشعر واللحية، معفري الهندام، يجوسون فيها، يتعبدون الأصنام، يعذبون الفقراء، يدسون الدسائس، يفرقون المسلمين، وينشرون النميمة. أضم صوتي لصوتك، على الحكومة أن تضرب “بفعل” من حديد، وعلى الشعب أن يرفض بلسان من حديد، ألا لعن الله صانع هذه الأصنام، وبائعها وشاريها وناصبها. فنحطمها قبل أن يتشظى كل ما بقي فيها، فتخترقنا جميعاً، فنتسمم جميعاً، ونموت ببطء كل يوم.
فلنحطم الأصنام.