سأحكي لكم حكاية، حكاية من سرداب هذا البلد الذي يحيا فيه البدون والمليء بالحكايا. كان يا ما كان، كان في شاب اسمه، مجازاً، راشد. راشد شاب مجتهد، اجتهد في علومه حيث حصل على عدد من البعثات الخارجية من جامعات قام بمراسلتها بعد تخرجه، إلا أن راشد شاب بدون غير قادر على استخراج جواز سفر وذلك لوجود قيد أمني عليه. حاول راشد وأصدقاؤه معرفة سبب القيد الأمني، فتدخل من تدخل وصعد الأمر إلى أعلى المستويات ثم نزل إلى لا شيء، ما هو سبب القيد الأمني؟ لا أحد يعلم، لا أحد يخبر راشد، لا يستطيع راشد مقاضاة الدولة لرفع القيد. يلجأ راشد للجامعات التي قبلته، تخاطب إحداها أحد أوائل رجالات الدولة لتحل المشكلة، لا شيء.
لكن هذا ليس كل شيء، اسمعوا يا سادة يا كرام: راشد متزوج من وافدة، في الواقع زوجته ليست وافدة، زوجته هي بدون سابقاً، من مواليد الكويت إلا أن والدها صاحب إحصاء 1958 وإحصاء 1965، يئس ذات زمن فعدل وضعه واشترى جوازات لدولة مجاورة، ثم تحايل وتمايل وذهب لتلك الدولة وعاش فيها دهراً، وبعد أن دار واستدار وشد وجذب كل العلاقات التي يعرفها، حصل على جنسية هذا البلد وغير أوراق كل أبنائه، حتى ابنته، الزوجة المذكورة، غير هو مكان مولدها في الأوراق الرسمية من الكويت (وهو مكان مولدها الحقيقي) لتصبح مولودة في تلك الدولة المجاورة. الآن زوجة راشد وافدة، وهو بدون، لا يستطيع أن يكفلها، لذا لا بد له أن يبحث عن كفيل كويتي يقبل بكفالة زوجته. تنقل راشد من كفيل إلى كفيل، هذا يذله وهذا يهدده وآخر يقسره على أداء خدمات لا عدّ لها ولا حصر فقط ليبقي الزوجة على كفالته. أخيراً، تحصلت زوجته على وظيفة بمئتي دينار شهرياً فسعدت بها ولو من باب استقرار أوراق إقامتها في الكويت. إلا أن “قليل البخت يلاقي العظم في الكرشة” على حد قول أحبائنا المصريين، فباغتتها المشاكل في مقر عمل غير مستقر يستغل حاجة عاملاته ويصعب عليهن أمور حياتهن.
لكن هذا ليس كل شيء، اسمعوا يا سادة يا كرام: زوجة راشد دخلت المستشفى لإجراء عملية ولادة قيصرية، ولطبيعة العملية كان لا بد من وضعها في غرفة خاصة بأوامر الطبيب، ولأنها وافدة، لابد لها أن تدفع مبلغ خمسين دينارا لليلة في الغرفة الخاصة غير تكاليف العملية والأدوية وخلافه. زوجة راشد في المستشفى، وراشد في مصيدة توفير المبلغ الضخم، ومقر عملها سيعطيها فقط أياما قليلة للراحة لتباشر بعدها دوامها، وزوجة راشد لا بد أن تداوم ليس من أجل المال ولكن من أجل الإقامة، وراشد لا يريدها أن تفقد وظيفتها وإلا وقعوا مجدداً تحت رحمة كفلاء كويتيين يبيع بعضهم الكفالات على بعض، ومعها الأشخاص المكفولون الذين يتنقلون بين هؤلاء الكويتيين المالكين، وراشد سيفقد بعثته بعد وقت قصير، وراشد لا يعرف سبب القيد الأمني عليه، والقيد الأمني لا يحرمه فقط السفر ولكن كذلك فرصة التجنيس، وراشد لن يتجنس، وزوجته لن تستقر إقامتها، وتكاليف المستشفى ستحطم كل إمكاناتهما، وسيأتي طفل راشد لأب بدون وأم وافدة رغم أنها حقيقة بدون، وابن راشد لن يتجنس، وستكون فرصة زواجه بكويتية ضيقة جداً، لذا سيتزوج بدون أو وافدة، وإذا تزوج وافدة فعليه أن يجد كفيلاً لها يبقى تحت رحمته إلى الأبد، إنها قصة من النوع الذي لا ينتهي، تدور وتدور حتى نخلد جميعاً للنوم في دفء أسرّتنا الكويتية الوثيرة.
كان يا ما كان، كان في شاب حياته أشبه بمتاهة لا مخرج منها، كلما وصل لنهاية جزء، ظهر له سدٌّ عالٍ أعاده إلى نقطة البداية. مسكين راشد، تركته أنا يدور ويدور وأتيت لأكتب لكم هذا المقال، أعود الآن لأطل على أحواله، عله نعس من الدوران فصمت عن سرد حكايته ونام، وتركنا جميعاً ننام.