أرانب

منطقياً وحقوقياً وسياسياً لا يمكن ولا يجوز لإنسان إخراج آخر من هويته كما لا يجوز له إخراج آخر من دينه مهما أتى «المتهم» من أعمال وأفعال، ولا يمكن للدولة أن تكفر «أبناءها» وتخرجهم عن «ملتها» لا مواطنياً ولا دينياً، مهما أتى «الأبناء» ومهما أخطؤوا.

المسألة كأنها تكفيرية، أقصد مسألة سحب الجنسيات، فكما أن ليس هناك سلطة على الأرض يمكنها إخراجك من دينك، يجب ألا تكون هناك سلطة على وجه الأرض تخرجك عن هويتك، الموضوع ليس سياسيا ولا فلسفيا ولا حتى حقوقيا في هذه اللحظة، الموضوع موضوع منطق بحت. من يحق له أن يقول إن فلاناً ليس كويتياً؟ وما الذي يجعل صاحب قرار سحب الهوية أكثر وطنية من المسحوبة هويته؟ هل يكفي الخطأ، أي خطأ ومهما كان حجمه، حتى ذاك المتعلق بأمن الدولة والذي تفوح منه رائحة الخيانة، لسحب جنسية إنسان وتعريته من هويته؟ هل الخطأ أو الجرم أو الخيانة تجعل من إنسان ما كان كويتياً طوال عمره، ليس كويتياً في لحظة؟ أليس في مثل هذا التصرف تخلٍّ عن دور الدولة الحقيقي ومسؤوليتها؟ إذا أخطأ إنسان نسحب جنسيته فيصبح غير منتمٍ، هو ليس مشكلتنا الآن، لا علاقة لنا به ولا مسؤولية نتحملها تجاهه، هو مشكلة جهة أخرى.

إذاً منطقياً وحقوقياً وسياسياً لا يمكن ولا يجوز لإنسان إخراج آخر من هويته كما لا يجوز له إخراج آخر من دينه مهما أتى «المتهم» من أعمال وأفعال. لا يمكن للدولة أن تكفر «أبناءها» وتخرجهم عن «ملتها» لا مواطنياً ولا دينياً، مهما أتى «الأبناء» ومهما أخطؤوا، للدولة أن تعاقبهم بحكم القانون، ولكن ليس لها أن تتخلى عن مسؤوليتها تجاههم، وقبل أن يسوق كارهو الغرب المستشهدون به دوماً (سبحان من جمع الكراهية والاستشهاد الدائم في قلوبهم) أمثلة لدول غربية أتت مثل هذا الفعل نقول إن سحب الهوية في كل مكان وزمان خطأ جسيم، فلا تستشهدوا بالدول «الكافرة» التي لا تحلو في عيونكم إلا عندما ترتكب أفعالاً مشينة غير إنسانية. وعليه، فإذا كان سحب الجنسية انتهاكا حقوقيا ومنحى لا عقلانيا وتوجها من الدولة للتخلي عن مسؤوليتها حتى تجاه المجرم أو حتى الإرهابي المتطرف، فماذا إذا كان إعدام الهوية قائما على ضغائن سياسية؟ ماذا إذا كان سحب الجنسية هو عقوبة على موقف تجاه الدولة وليس على فعل إجرامي على أرضها؟ كيف يوصف هذا الفعل عندها؟ وكيف توصف أجهزة الدولة التي تأتيه؟

لقد سكتنا طويلاً عن حق البدون الضائع بيننا، صمتنا عن عزلهم وحرمانهم والتعامل معهم وكأن قضيتهم صفقة يستنفع منها من يستنفع، سكتنا ونحن نرى الوعود والعهود تتبخر في الهواء، سكتنا ونحن نرى القضية تجرجر ذيولها عبر السنوات البطيئة الحارقة المليئة بالحرمان، سنة بعد سنة، حتى وصلت السنوات إلى خمسين والأجيال من البدون إلى خمسة أو تزيد، سكتنا ونحن نستمع إلى مسؤولينا غير المسؤولين وهم يتهمون الضحايا ويدفعون بهم لشراء جوازات مزورة ثم يقررون شراء جنسيات لهم وشحنهم للتخلص من المشكلة، وكأنهم يصرفون مجموعة أرانب لا بشر بلحم ودم وعواطف وكرامات. سكتنا فزحف الشر والظلم إلينا، فهذا قانون الحياة، كما تدين تدان، والدنيا دوائر، ما تأتيه مصيره يدور ويعود إليك.

والآن وقد طرق الشر بابنا، واندفع بروائحه الكريهة إلى عقر دارنا، هل سنبقى ساكتين؟