تحميل إغلاق

دمامة

دمامة

«هل من المعقول أن يكون موضوع يتعلق بالأجانب يُفضّل على الكويتيين؟ الأجنبي القادم من العراق يطلب الجنسية ويصبح موضوعه أهم من الكويتيين؟» تلك كلمة لا يمكن لإنسان أن يقولها إلا إذا عميت بصيرته وغام المنظر السياسي والاجتماعي أمامه، والأهم والأخطر، إذا فقد جزءاً من إنسانيته.

ما الذي دهى نواب مجلس الأمة؟ ما هذا السجود المهين للمصالح والمطامع؟ ما هذا التعبد المذل للكرسي الذي انقلب صنماً يُخدم عوضاً عن كونه موقعاً يَخدم؟ يأتي تصويت يوم الثلاثاء الماضي بنتيجة 30 صوتاً ضد استعجال مناقشة الحقوق المدنية والاجتماعية لـ»البدون» مقابل 18 صوتاً مع، أي أن أغلبية جيدة في المجلس تعجز عن رؤية ليس فقط الجانب الإنساني للقضية، ولكن الجانب الأمني الخطير على المجتمع ككل لها.

ثلاثون بني آدم يدهم في الماء، يتزوجون ويتطببون ويسافرون، يعلّمون أبناءهم في المدارس، يبعثون «سواقيهم» لاستخراج أوراقهم الرسمية التي على بساطة الحصول عليها تبقى حلماً بعيداً لـ»البدون».

ثلاثون بني آدم لا يرون ضرورة لاستعجال مناقشة الحقوق، فقد صبر «البدون» خمسين سنة، فما هي عشر آخريات أو عشرون؟

ثلاثون بني آدم لم يروا في مظاهرات الجهراء والصليبية والأحمدي أي خطورة أو دافع لصفة الاستعجال، فللمظاهرات قنابلها الصوتية ورصاصاتها المطاطية تسكتها لحين ينتهي النواب من العاجل من أمورهم، ومن ثم يتفرغون للهامشي منها مثل قضية مئة ألف إنسان يعيشون منذ خمسين سنة على هذه الأرض بلا هوية، ومنذ عشرين سنة بلا حقوق إنسانية.

ما يزيد الموضوع قبحاً والقلوب رعباً أن ممثلي الأمة الثلاثين هؤلاء ليس لديهم القدرة على تمييز صفة الاستعجال بجانب فقدهم للقدرة على تمييز صفة الإنسانية في الموضوع، فإذا غاب عنهم منطق أن «البدون» يعيشون على أرض الكويت منذ ما يربو على الخمسين سنة، وهو دهر أكثر من كافٍ لتحقيق المواطنة، وإذا لم يستطيعوا تبين المنطق المدني الحديث الذي يشكل من البشر مواطني دول، وإذا كانوا يؤمنون أن المواطن فقط هو البشر المستحق للحياة الكريمة والبقية «تحت بشر» لا يستحقون أكثر من التطبب بالأعشاب والتعلم من الكتابات على الجدران والتزاوج بالخفاء عرفياً أو متعة والتنقل بجوازات سفر مزورة؛ يوم صومالية ويوم دومينيكانية وآخر إسبانية بعلم الدولة ومباركتها الخفية، فهل هم عاجزون عن رؤية التأثير الاجتماعي الحارق والأمني الصارخ لهذه الحالة الإنسانية البائسة في المجتمع الكويتي والدولة المدنية الكويتية؟ هل فقد مشرعونا القدرة على تمييز حالة الغليان الاجتماعي الخطير حتى إن تجاوزوا حالة القهر الإنساني الساحق؟

ما هذا الأسى؟ ما هذا الاستعباد بالكرسي الذي يمنعكم من التواصل مع بني جنسكم، والشعور بعمق وحرقة مأساتهم الإنسانية؟ لم يكن التصويت على مناقشة استعجال تجنيس حتى ترتعد الفرائص وتتلاحق الحسابات وتتوالى صور الانتخابات والناخبين، كان تصويتاً على مناقشة حقوق إنسانية، حقوق نلتزم بها تجاه المواطن والمقيم، «البدون» والمتسلل، الطيب والشرير، الصالح والمجرم، حقوق تحتمها علينا غرائزنا وإنسانيتنا قبل قوانيننا وشرائعنا. لكل إنسان يمشي على سطح هذه الأرض حقوق تكفل كرامته، ولهذا التعميم سبب بسيط، فالإنسان الذي بلا حقوق، وبالتالي بلا كرامة، هو بلا سبب يدعوه إلى استكمال الحياة، ومن ليس لديه أسباب استكمال الحياة، يفتقد كذلك الدافع للتصرف المنطقي «المتحضر» الحاض على احترام القانون، ولا يمكن لومه على ذلك.

بئس اليوم ذاك الذي صوَّتم فيه على الاستخفاف بأهل لنا يعيشون بين ظهرانينا، يعانون إنسانياً في بلد غني ديمقراطي متحضر مثل الكويت، بئس اليوم الذي منعتكم فيه عنصرياتكم المختلفة من تجاوز الفكرة التافهة للأصل والفصل إلى الفكرة الخلابة لسلسلة التواصل الإنساني التي تربطنا جميعاً ببعضنا بعضا، بئس اليوم الذي أثبتم فيه قصر نظركم عن تمييز الخطر المحدق بنا، خطر من الداخل وليس الخارج، خطر طحناه وعجناه وأدخلناه الفرن بأيادينا، بئس اليوم الذي سمعنا فيه نائباً يصغّر من «الأجانب» ويعمم خديعة البعض القليل على المأساة الإنسانية للأغلبية الكثيرة، بئس اليوم الذي لم يستطع فيه هذا النائب أن يفهم أن التصويت على الحقوق الإنسانية لبشر على أرض الكويت والبت في وضعهم الاجتماعي، وإن كانوا «أجانب» أو حتى «متسللين»، إنما يضمن أمن الكويت واستقرارها قبل كل شيء، بئس اليوم الذي سمعنا فيه تصريحك المهين يا سيد عبدالله الرومي.

اترك تعليقاً