تحميل إغلاق

الكويت فوق صفيح ساخن

الكويت فوق صفيح ساخن

الوضع متأزم والداخل الكويتي يغلي. لابد من خطوات حقيقية، واضحة وفاعلة على طريق إصلاح هذه التجربة الديمقراطية الحقيقية والقوية التي تمثلها الكويت ليس فقط على المستوى الخليجي ولكن على المستوى الشرق أوسطي بأكمله.

الكويت كتجربة ديمقراطية في قلب عالم شمولي لا يمكن أن تفشل، لا يجب أن تفشل، ففي فشلها انهيار لإيمان عربي مهم بالديمقراطية وضياع لحلم إنساني عظيم بإمكانية التغيير، بأن الورد يمكن أن ينبت في عمق الصحراء.

نتأزم نحن الكويتيون من توالي تكشف قضايا الفساد الواحدة تلو الأخرى منذ ما بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي وإلى اليوم، نكاد نفقد الأمل بسبب من هذه الاستمرارية العجيبة للسرقات و”الحرمنة”، وكأن هناك سباقا محموما بين الأنذال على إثبات القدرة على السرقة بأعلى درجة ممكنة وبأقل الخسائر الممكنة.

أحياناً يصل اليأس بنا إلى مراحل الخوف العميق، مراحل الغياب التام للشعور بالأمان الذي طالما كنا نباهي به جيراننا العرب، فتجدنا نتشاور حول الشراء خارج أرضنا، فقط لنؤمّن أنفسنا في حال وقع المعبد على رؤوسنا جميعاً.

لستُ ممن يشارك في حوار كهذا، ليس لأن إيماني أقوى بالخير، ولا لأن وطنيتي أعلى من وطنية أقراني المتحاورين، ولكن لأنني لست من الطبقة التي تستطيع الشراء في الخارج. قدري معلّق ببلدي، وبلدي، هذه الأرض الزهية الباهرة، تبدو معلّقة اليوم بخيط رفيع فوق بركان ثائر.

أحايين أخرى نفقد نحن الكويتيون كل ثقة فيما وفيمن حولنا. نتربص ببعضنا البعض ونتشكك أن كلنا “حرامية” بدرجة أو بأخرى لكثرة ما تكشف لنا من مصائب ولشدة ما أصابنا جراء هذا الكشف من آلام. لا نكاد نسمع بكسب جديد إلا ونرفع حاجباً تجاه صاحبه، لا يصلنا خبر تجنيس جديد إلا وتنزلق كلمة “واسطة” رديفة له، لا نرى اثنين ساسة في صورة إلا ونقسم أن الشيطان السياسي ثالثهما، فقدنا الثقة الجميلة التي كانت ذات يوم عنوان ثقافتنا، وانعكس هذا الفقد حتى على معاملتنا لضيوفنا، بل وتمادينا لنعلق عليهم الخيبات والأوجاع.

“الوافدين كلونا” كفكرة أصبحت شعار المرحلة، فأن يكون المقيم هو الحرامي، هو المخطئ أو هو المستهلك لخدمات البلد المتهالكة، فهذا أسهل تقبلاً على النفس وأخف إيجاعاً للضمير، وأكثر أمناً للنقد والتعزير.

ننسى ككويتيين أن انكشاف السرقات والفسادات والمؤامرات هو نتاج الديمقراطية النسبية التي نتمتع بها، والتي لولاها لكنا بقينا نعيش حياة لامعة زائفة من “برة”، ومن الداخل يعلم الله. لربما في الجهالة الكثير من النعيم كما يقول المتنبى ولكن في إعمال العقل، رغم الشقاء المرير، أمن وعدالة وفرصة أكبر للاستمرارية. لا المنظر الصقيل الخارجي ينفع ولا الدكتاتور المتنور سينقذ الموقف يوم تقع كارثة كبيرة.

ما ينقذ من الكوارث هي الديمقراطية، من ينقذ من الكوارث هو الشعب، تماماً كما حدث في الكويت إبان الغزو العراقي، وقبله إبان حل مجلس الأمة غير الدستوري وبعده إبان انتقال السلطة السلمي من أمير سابق إلى أمير لاحق.

الكويت تجربة خلابة لا تستحق كل هذه السكاكين، لكن لربما هناك بصيص نور وبارقة أمل. البصيص والبارقة هذان سيحتاجان لأكثر من تغيير اسم قيادي أو تبديل حرس قديم بجديد. سنحتاج فعلياً لحكومة أكثر شعبية، وتلك لن تتحقق سوى بتقنين حزبي، لتكون الانتخابات بين أحزاب، وليشكل الحزب الفائز بالأغلبية الحكومة، وليشكل الحزب الخاسر حكومة ظل تشارك وتراقب.

إذا بعد لم يحن الوقت لرئيس وزراء شعبي، ولو أنه حان وبان، فلا بأس، ليكن رئيس وزراء من الأسرة الحاكمة ولكن بحكومة شعبية حزبية، يختارها الشعب وينظمها رئيس الوزراء لتتحول الشراكة السياسية لشراكة حقيقية بين الحكومة والشعب.

هناك نفور متضخم في الساحة الكويتية من أسماء سياسية محددة، وجودها سيضر ولا ينفع في هذه المرحلة الحساسة من الخطو السياسي الكويتي. لقد بقي البعض على كراسيهم لأطول مما يجب، قوة سياسية في يمينهم وأموال طائلة في يسارهم، حتى تضخمت أناتهم بمرضية وتوهموا نوعا من السطوة الخالدة التي جعلتهم يستشعرون أنهم لربما فوق درجة البشر.

حان أوان إنزالهم إلى ملة بني جنسهم، ليعلموا أن الأيام دول وأن “الحساب يجمع”، ولتأخذ الكويت فرصة تتنفس إبانها هواء جديدا.

اترك تعليقاً