السلطانة هيام أبرك
سبق أن أشرت في أكثر من مقال إلى ضرورة أن يكون لدى الحكومة بجهاتها المختلفة مستشارون إعلاميون ليشيروا عليها فيما يجب أن تصرح به، وما يجب أن تكتمه، وما يجب أن تواربه بجميل الكلام وتزينه بحسن التعبير، خصوصاً في حال وجود هذا التزاوج العجيب بين شعب يعشق السخرية و”الضغاط” على حسب التعبير الشبابي، ويمسك أصغر زلة على أكبر مسؤول، وبين حكومة متمسكة جداً بالعادات والتقاليد، تصريحاتها لا تريد أن تتغير من ثلاثين سنة لا في النوعية ولا في الكمية، لا في الكتلة ولا في الحجم، لا في الأسلوب ولا في المضمون.
وأنا حقيقة أتفق مع رئيس الوزراء، نحن “دولة رفاه”، لكن “رفاهنا” لا يتناسب مع مدخولنا، هناك معاناة سكنية وقصورات طبية وغلاءات “أرضية” وانفجارات في أسعار الجمعية (لزوم القافية)، ولكنها لا تتواءم مع مداخيل البلد المرتفعة وفوائضه الهائلة، والتي بشيء من حسن التخطيط وقليل من الوعي و”بشوية” تنازل عن بعض الوظائف للأشخاص المناسبين مع إبقاء الكثير منها لأصحاب الوساطات، وفي تفعيل التنمية بشكل حقيقي مع ترك “شوية” فساد هو ملح حياتنا في كل الأحوال، تراعونا ونراعيكم، وسيحقق لنا مدخولنا “رفاها” مستمراً، وتحقق فوائضنا أماناً مرتفعاً وتبقى مصالحكم مستمرة ووساطاتكم قوية، والمقسوم الذي يستفيد منه المفسدون، سامحهم الله، مضموناً إن شاء الله. لا نطلب أن تنصلح كل الأحوال مرة واحدة، “بس” يعني مثل ما قال السيد مكاوي “خلي شوية عليه وشوية عليك” والكل يستفيد.
الآن، تصريح الرئيس لن يتسبب سوى في إثارة الشباب وتفعيل الضجة وتفتيح العيون التي لا تريدونها أن تفتح أصلاً، كما أن هذا التصريح يستثير سؤالاً مهماً: أوليست “دولة الرفاه” هذه هي صنيعة سياسة حكومية والتي تتبع منهجية إسكات الناس بالمنح والعطايا المجزأة والتغاضي عن حقوق الدولة مثل فواتير الكهرباء لتحولهم الى رعايا بدل أن يكونوا مواطنين؟ المثل الإنكليزي يقول “لا يمكنك أن تحصل على قطعة الكيكة وتأكلها كذلك”، لذا إما “دولة رفاه” تسكت الرعايا أو دولة مسؤولية تحترم المواطنين، أما أن تريدوا رعايا ودولة ضنكة، فلن يجتمعا، لكي تحول الشعب إلى رعايا فلابد من المال و”الرفاه” والنعيم الذي يدغدغ المشاعر ويدوخ الرأس. فيا رئيس الوزراء إذا قلّت الأموال فسيكثر الكلام، ولكي تقلل الكلام لابد أن تكثر الأموال، أما اذا أردت المعادلة الصعبة، يعني أموالا و”رفاه” وكلاما قليلا وفعلا كثيرا فعليك وعلينا بالديمقراطية الحقيقية والعلمانية القوية اللتين تخلقان مواطنين أحراراً أقوياء، قد يقفون في وجهك اليوم، لكنهم يقفون مع بلدهم والحق كل يوم، يتعبونك ويجادلونك، لكنهم يتحملون المسؤولية ويخلصون العمل. كل شيء له ثمن، وثمن المواطن الجيد الذي يعمل من أجل رفاهيته هو الحرية والديمقراطية الحقيقيتين اللتين لا تباعان ولا تشتريان، واللتين تتسببان في الكثير من الصداع للحكومات لكنهما تنتجان في النهاية ذاك المواطن القوي الذي يريد “الرفاه” ويريد أن يعمل من أجله.
إن القيادي المحبوب الناجح هو ذاك الذي يرفع من الهمم في النفوس والذي يعد بمستقبل أجمل ويعمل جاهداً من أجله، فهذا على كل دوره الرئيس أن يعمل من أجل تحقيق الرفاهية والراحة لا لينظم ويقنن من أجل حالة تقشف قادمة، والتي لا يدل قدومها سوى على فشل إداري وسياسي في الدولة خصوصاً لتلك التي بحجم الكويت ومقادير مداخيلها وفوائضها. لقد مرت دبي، إبان الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، بمأزق مالي خطير، فما سمعنا تصريحاً متشائماً ولا خطاباً يائساً، بل بصمت راق عملت دبي وقيادتها على ترميم الصدع، خففت من سرعتها بعض الوقت لتعود فتنطلق في مسيرتها التقدمية ولتبقى تعد مواطنيها بمستقبل أكثر رفاهية وإشراقاً. ومع كل التحفظ على غياب الديمقراطية السياسية في الإمارات، إلا أن منهجية القيادة في دبي هي منهجية تستحق الانتباه وهي نموذج لتحقيق تقدم اقتصادي لشعب صغير في دولة بمداخيل مرتفعة، فلمَ لا نستفيد من النموذج هذا؟ أم أن الله قد حكم علينا أن نستلقي على شواطئ بحيرة عميقة من النفط، نأخذ “تان” بينما نستمع مراراً وتكراراً للكيفية التي ستنتهي فيها هذه البحيرة لتتركنا مكشوفين مكسوفين لا من زيت البحيرة ولا من ملابسنا؟ تعبنا ونحن نسمع “المنة” علينا من الحكومة وتهديداتها المباشرة والمواربة حول انتهاء هذه المنة قريباً، اعملوا جاهدين لتثبيت “رفاهنا” الموجود على الأقل، وإذا ما في مقدرة تثبيت، في مقدرة تغيير، فالحكومة غير القادرة على تحقيق “رفاهنا” بكل هذه الأموال وغير المتمكنة من خلق مواطن يتحمل المسؤولية في ظل وجود نظام شبه ديمقراطي وعلماني في البلد، هي حكومة… أحسن لها تروح تأخذ “غطس” في بحيرة الزيت وتترك لغيرها مجالاً للتغيير. ترى والله كدرتونا فوق ما مسلسل حريم السلطان مكدرنا… سامحكم الله.