تحميل إغلاق

آليون

آليون

يثير‭ ‬فيلم‭ ‬Extinction‭ ‬أو‭ ‬‮«‬فناء‮»‬‭ ‬للمخرج‭ ‬بن‭ ‬يونج‭ (‬يستوجب‭ ‬هنا‭ ‬تحذير‭ ‬القراء‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬سيكشف‭ ‬حبكة‭ ‬الفيلم‭ ‬لمن‭ ‬لم‭ ‬يشاهده‭ ‬بعد‭) ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬موضوع‭ ‬المقال‭ ‬الماضي‭ ‬معضلة‭ ‬فلسفية‭ ‬مهمة‭ ‬جداً‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬الأزلي‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬إنساناً؟‭ ‬يتناول‭ ‬الفيلم‭ ‬إفتراضية‭ ‬إختراع‭ ‬الإنسان‭ ‬لذكاء‭ ‬إصطناهي‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬بشر‭ ‬آليين‭ ‬يتطورون‭ ‬لاحقاً‭ ‬الى‭ ‬كائنات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬المستقل‭ ‬والتواصل‭ ‬العاطفي،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تصبح‭ ‬كائنات‭ ‬ذات‭ ‬إرادة‭ ‬وذكاء‭ ‬عاطفي‭ ‬وضمير،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تقريباً‭ ‬بشر‭. ‬يبيّن‭ ‬الفيلم‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬ينظرون‭ ‬بإحتقار‭ ‬لهذه‭ ‬الكائنات‭ ‬الإصطناعية‭ ‬ويسيئون‭ ‬معاملتهم‭ ‬الى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬ثورة‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬الآليين‭ ‬تباد‭ ‬فيها‭ ‬مجموعات‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬الطبيعيين‭ ‬ويهرب‭ ‬عدد‭ ‬آخر‭ ‬منهم‭ ‬خارج‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬ليعودوا‭ ‬لاحقاً‭ ‬ليستردوا‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬إبادة‭ ‬مضادة‭ ‬للبشر‭ ‬الآليين‭. ‬وكما‭ ‬أنني‭ ‬تحفظت‭ ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي‭ ‬على‭ ‬إستخدام‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬طبيعيين‮»‬‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬البشر‭ ‬البيولوجيين،‭ ‬فإنني‭ ‬كذلك‭ ‬عانيت‭ ‬إختلاط‭ ‬المشاعر‭ ‬إبان‭ ‬مشاهدة‭ ‬الفيلم،‭ ‬فلم‭ ‬أستطع‭ ‬تمييز‭ ‬الخير‭ ‬من‭ ‬الشر‭ ‬فيه،‭ ‬ولم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬مسار‭ ‬مشاعري،‭ ‬هل‭ ‬تميل‭ ‬الى‭ ‬البشر‭ ‬الآليين‭ ‬أم‭ ‬‮«‬الطبيعيين»؟‭ ‬وهل‭ ‬البشر‭ ‬الآليون‭ ‬ليسوا‭ ‬طبيعيين؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬تعريف‭ ‬‮«‬الطبيعي‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬قدرة‭ ‬تحديده؟‭  ‬

يرى‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬مقدمون‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬على‭ ‬إفناء‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬بمحاولاتهم‭ ‬المثابرة‭ ‬لخلق‭ ‬بشر‭ ‬آليين‭ ‬مشابهين‭ ‬جداً‭ ‬للبشر‭ ‬الحقيقيين‭ ‬ليس‭ ‬شكلاً‭ ‬فقط‭ ‬ولكن‭ ‬قدرة‭ ‬كذلك

وهكذا‭ ‬كُبَر‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬خرجت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭ ‬الى‭ ‬ذاك‭ ‬الفلسفي‭ ‬الغائر‭ ‬في‭ ‬القدم،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬إنساناً؟‭ ‬نحن‭ ‬بشر‭ ‬بيولوجيون،‭ ‬الا‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬بكل‭ ‬مشاعرنا‭ ‬وأحاسيسنا،‭ ‬بكل‭ ‬قيمنا‭ ‬ومبادئنا،‭ ‬بكل‭ ‬قراراتنا‭ ‬وإيمانياتنا،‭ ‬لسنا‭ ‬سوى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التفاعلات‭ ‬الكيميائية،‭ ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬قسوة‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬الا‭ ‬أنها‭ ‬تبقى‭ ‬حقيقة‭ ‬تحتاج‭ ‬المواجهة،‭ ‬ففي‭ ‬مواجهتها‭ ‬إجابات‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬إجابات‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬فلسفية‭ ‬عديدة‭ ‬وعميقة‭. ‬مشاعر‭ ‬القبلة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬والدتك،‭ ‬أحاسيس‭ ‬إحتضان‭ ‬طفلك،‭ ‬رغبات‭ ‬لمسة‭ ‬يد‭ ‬حبيبك،‭ ‬خشوع‭ ‬تواصلك‭ ‬الديني،‭ ‬فرحك‭ ‬وغضبك،‭ ‬أساك‭ ‬وسعادتك،‭ ‬كلها‭ ‬تفاعلات‭ ‬كيميائية‭ ‬معقدة‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬تعابير‭ ‬ميكانيكية‭ ‬جسدية‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬ذات‭ ‬التفاعل‭ ‬الميكانيكي‭ ‬الكيميائي‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬داخل‭ ‬البشر‭ ‬الآليين‭. ‬نحن‭ ‬مصنوعون‭ ‬من‭ ‬جلد‭ ‬وعظم‭ ‬وخلايا‭ ‬وعضلات‭ ‬وشحوم‭ ‬وغيرها‭ ‬وهم‭ ‬يفترض‭ ‬أنهم‭ ‬مصنوعون‭ ‬من‭ ‬معدن‭ ‬وموصلات‭ ‬وشحنات‭ ‬كهربائية‭ ‬وكذلك‭ ‬أجزاء‭ ‬بيولوجية‭ ‬عضوية‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬الفيلم،‭ ‬فما‭ ‬الفارق‭ ‬بيننا؟‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬نحن‭ ‬أجهزة‭ ‬بيولوجية‭ ‬تتأثر‭ ‬بتفاعلاتها‭ ‬الكيميائية‭ ‬وهم‭ ‬أجهزة‭ ‬إلكترونية‭ ‬تتأثر‭ ‬بتفاعلاتها‭ ‬الحرارية،‭ ‬نحن‭ ‬طوّرنا‭ ‬الوعي‭ ‬والضمير‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تطور‭ ‬إستغرقت‭ ‬ملايين‭ ‬السنوات‭ ‬وهم‭ ‬طوّروا‭ ‬ذات‭ ‬الوعي‭ ‬والضمير‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تطور‭ ‬إستغرقت‭ ‬عشرات‭ ‬السنوات‭ ‬حسب‭ ‬الفيلم‭ ‬كذلك،‭ ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬حقيقي؟

إن‭ ‬موضوع‭ ‬الذكاء‭ ‬الإصطناعي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يطوّر‭ ‬نفسه‭ ‬الى‭ ‬ذكاء‭ ‬عاطفي‭ ‬ضمائري‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬القرارات‭ ‬والتفكير‭ ‬المستقل‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬يشغل‭ ‬وبشدة‭ ‬علماء‭ ‬اليوم‭ ‬لإدراكهم‭ ‬قرب‭ ‬وقوع‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬وشدة‭ ‬إحتمالية‭ ‬إتخاذه‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭ ‬المأساوي،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬مقدمون‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬على‭ ‬إفناء‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬بمحاولاتهم‭ ‬المثابرة‭ ‬لخلق‭ ‬بشر‭ ‬آليين‭ ‬مشابهين‭ ‬جداً‭ ‬للبشر‭ ‬الحقيقيين‭ ‬ليس‭ ‬شكلاً‭ ‬فقط‭ ‬ولكن‭ ‬قدرة‭ ‬كذلك،‭ ‬وأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬الآليين‭ ‬سيطورون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بسرعة‭ ‬خارقة‭ ‬ليصبحوا‭ ‬أشد‭ ‬ذكاءً‭ ‬من‭ ‬صانعيهم،‭ ‬وليشعروا‭ ‬ويفكروا‭ ‬ويقرروا،‭ ‬بل‭ ‬ليحبوا‭ ‬ويكرهوا‭ ‬ويحكّموا‭ ‬ضمائر‭ ‬ستتطور‭ ‬إلكترونياً‭ ‬لمستوى‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني،‭ ‬لينتهوا‭ ‬الى‭ ‬الإستحواذ‭ ‬على‭ ‬موطن‭ ‬البشر‭ ‬الأرضي‭ ‬والى‭ ‬إفناء‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬إعتبار‭ ‬أنهم‭ ‬الجنس‭ ‬الأضعف‭ ‬والأقل‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬العقلية،‭ ‬كما‭ ‬فعلنا‭ ‬نحن‭ ‬البشر‭ ‬الهوموسيبيان‭ ‬سابقاً‭ ‬مع‭ ‬الأجناس‭ ‬الأقل‭ ‬قدرة‭ ‬منا‭ ‬مثل‭ ‬النياندارثال،‭ ‬حيث‭ ‬يقال‭ ‬أننا،‭ ‬الهوموسيبيان،‭ ‬لم‭ ‬نتقابل‭ ‬وجنس‭ ‬مختلف‭ ‬عنا‭ ‬الا‭ ‬وأفنيناه،‭ ‬وأننا‭ ‬سنبقى‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬التوحش‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬نصنع‭ ‬بأيدينا‭ ‬من‭ ‬سيأتي‭ ‬بنا‭ ‬الى‭ ‬نهايتنا‭.‬

لو‭ ‬أننا‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬بضع‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬السنوات،‭ ‬نتعايش‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬بشر‭ ‬آليين‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬والشعور‭ ‬والحكم‭ ‬المستقل،‭ ‬كائنات‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستشعر‭ ‬الألم‭ ‬والأمل‭ ‬وأن‭ ‬تطلق‭ ‬الأحكام‭ ‬وتحكم‭ ‬الضمائر،‭ ‬ترى‭ ‬كيف‭ ‬سننظر‭ ‬إليها؟‭ ‬هل‭ ‬سنستشعر‭ ‬حرمة‭ ‬إبادتها‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬ستبقى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬مجرد‭ ‬كينونات‭ ‬ميكانيكية؟‭ ‬هل‭ ‬سنعتقد‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬أم‭ ‬سنفسر‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مجرد‭ ‬برمجة‭ ‬آلية؟‭ ‬هل‭ ‬سنجد‭ ‬روابط‭ ‬بين‭ ‬برمجتنا‭ ‬الجينية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬كبشر‭ ‬بيولوجيين‭ ‬وبين‭ ‬برمجتهم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬كبشر‭ ‬آليين،‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬سنبقى‭ ‬نرفض‭ ‬مواجهة‭ ‬حقيقة‭ ‬تكويننا‭ ‬والكيفية‭ ‬العلمية‭ ‬لتشكل‭ ‬أحكامنا‭ ‬ومشاعرنا،‭ ‬مستشعرين‭ ‬فوقية‭ ‬بيولوجية‭ ‬لا‭ ‬تبرير‭ ‬منطقياً‭ ‬وعلمياً‭ ‬لها؟‭ ‬أسئلتي‭ ‬تحمل‭ ‬إجاباتي‭ ‬الشخصية،‭ ‬لكن‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬كيف‭ ‬ترون‭ ‬أنتم‭ ‬أعزائي‭ ‬القراء‭ ‬هذا‭ ‬المستقبل؟

اترك تعليقاً