تحميل إغلاق

عنب

استكمالا للأسئلة التي أثرتها في المقال السابق ودارت في رحاها، والتي كانت حول أسباب شخصنة أي نقد أو تساؤل حول الدين أو الوجود الإلهي عند المسلمين واستقبالهم للنقد أو التساؤل على أنه إهانة أو مساس شخصيان، أطرح سؤالي التالي في هذا المقال: لماذا يعتقد الإنسان المسلم العربي تحديدا أنه ودينه مصوب إليهما ومقصودان طوال الوقت؟ ما الذي يجعله يعتقد أنه مركز العالم المقصود بكل خططه وكمائنه؟ ما الذي يقنعه أن الدنيا من شرقها إلى غربها تضمر لدينه العداء وتحمل لكتابه ومقدساته الضغائن، وتهدف باتساعها وتنوع بشرها وتعدد لغاتهم وأديانهم ومناهجهم الحياتية وتوجهاتهم الأيديولوجية إلى ضرب معتقده والتآمر عليه لهدمه وإزاحته من خارطة الطريق البشرية؟ أي نرجسية هذه التي يعاني منها الإنسان العربي المسلم، أي جنون عظمة وأي جنون ارتياب؟
هي الظروف التي تصنع الإنسان بلا شك، هي مشاكله، مصاعبه، معاناته التي تشكل نفسيته وتقولب داخله الروحاني، هذا الداخل الذي تتوارثه الأجيال حملا ثقيلا لا يفتأ يثقل بازدياد بلة طينه. هو واقعنا السياسي الأليم، هي مصاعب حياتنا اليومية، هو اختفاء ملمح هوية حقيقية واضحة، هو الذوبان في أنظمة شمولية قمعية، هو الصمت المفروض علينا يقتلنا ببطء كل يوم، هو الخوف القابض على الروح من رجل السياسة، من رجل الدين، مما وصفوا لنا من عقاب إلهي دنيوي، من عقاب إلهي أخروي، من عذاب القبر، من صنوف البشاعات المستوعدة في النار.
إنه الشعور المستمر بعدم الأمان، هو مهانة المعرفة بأننا عالة على بقية العالم، نأكل ولا ننتج، نخرج ولا ننظف، هو استهلاكنا الدائم للكلام وإهمالنا المريع للفعل الذي أصبح كالبدلة الجديدة التي اهترأت من قلة الاستعمال، هو شعورنا الدائم بالنقص، شعورنا الدائم بالهزيمة، شعورنا الدائم بالجهل، هو الكره نحمله لمجتمعات تقدس حرية نتوقها ولا نستطيع الحصول عليها فنعايرهم بحموضتها، هو الغضب، هو الحزن، هو الخوف، هو الأعمار الضائعة، هو الشباب الذي يشيب قبل أوانه، هو لاجئو سوريا، قتلى اليمن، ضحايا ليبيا والعراق ولبنان، هو كل هذا وأكثر من هذا، أبعد كل ذلك نلوم الإنسان العربي المسلم على نرجسيته التي خلقها لنفسه ولم يعد يملك غيرها؟ أنعاتبه على اختراعه لألف حجة وألف سبب يعزي بها نفسه على ضياعه وهزائمه ويشير بأصابع الاتهام لغيره فيريح قلبه المكلوم وضميره المثلوم ولو إلى حين؟
نعم نلومه، فقد نفد مخزون الحجة وتبخر أثرها، وما عاد لها من إقناع أكثر من تلك الحجة لتلميذ خائب يلقي بكل إخفاقاته على كره معلمه له. نعلم والله، أنت انسان مكلوم مهزوم تعاني في الحياة، ولكن الحياة لا ترحم، والدنيا لا تتجاوب والتذمر المستمر، والناس ان تعاطفوا معك مرة وصدقوك عشر مرات، سينفضون من حولك في نهاية الأمر وقد تعبوا من شكواك وإلقائك بخيباتك على الآخرين. لا أحد يتقصدنا سوى نفوسنا الضعيفة، ولسنا في الواقع بهذه الأهمية وتلك الخطورة لكي يقبع ستة من السبعة مليار انسان متربصين بديننا، مفتشين في كتبنا، مجدين في التآمر علينا، مخططين لهزيمة عقيدتنا.
شيء من الواقعــــــية، شيء من التواضـــــع أيها السيدات والسادة، لننظر أسفل أقدامنا، لربما متآمرونا منا وفينا.

اترك تعليقاً