تحميل إغلاق

تشهدوا

تشهدوا

نائب البرلمان معني بتمثيل الأمة، بحمايتها، بالتشكك ألف مرة في الطرف الحكومي، بالمساءلة المضنية، بالدخول في تفاصيل التفاصيل، بالبحث، والبحث بشكل مضن وقاس، عن العيب في ما يبدو جيداً وعن الخلل في ما يبدو صالحاً.

ليست المشكلة أن بعض النواب خرجوا من اجتماع مكتب مجلس الأمة مع صالح الفضالة متفقين مع السيد رئيس الجهاز المركزي ومادحين له جهوده الجبارة وعرضه “الشيق” للقضية، فهذا متوقع في الواقع ومن معظم الحضور، وهو حق لهم إن ارتؤوا تأهل الرجل وحكمة تعامله والقضية، المشكلة تذهب إلى أبعد من ذلك، إلى غياب فهم معنى عضوية البرلمان، إلى تضبب مبدئية تمثيل الأمة، وهما غياب وتضبب يجعلان النواب يبدون في كثير من الأحيان حكوميين أكثر من الحكومة، في جانب مسؤوليها لا جانب الشعب الذي انتخبهم ونصبهم على كراسيهم.

أن يجلس النواب في اجتماع مع ممثلين حكوميين، يستمعون لأناشيد مديحهم لذواتهم وروعة أدائهم، ينظرون في تقاريرهم “الشيقة” المنمقة وعروضهم الإلكترونية الملونة ومخططاتهم البيانية الجميلة الأشكال والخطوط، ثم يخرجون من الاجتماع ليتحدثوا للميكرفونات عن روعة الأداء، و”تشويق” العرض وعظمة السيد الفضالة، وعدم توقع هذه الخدمات الجبارة التي يقدمها البلد للبدون، هنا يتبين الخلل المرعب والغياب المحرج لفهم معنى وظيفتك.

نائب البرلمان معني بتمثيل الأمة، بحمايتها، بالتشكك ألف مرة في الطرف الحكومي، بالمساءلة المضنية، بالدخول في تفاصيل التفاصيل، بالبحث، والبحث بشكل مضن وقاس، عن العيب في ما يبدو جيداً وعن الخلل في ما يبدو صالحاً. هكذا هي مهمة النائب، أن يقدم الشك على اليقين والتساؤل على القبول وأن يكون متطلباً، الجيد يريده أفضل والأفضل يريده أعظم والأعظم يريده مثالياً تاماً معصوماً من كل نقطة ضعف، تلك هي وظيفته وهذا هو دوره. فأن يخرج النائب من غرفة اجتماعه مع موظف حكومي رفيع المستوى بقي في منصبه سبع سنوات ما تم خلالها سوى أن زاد السوء سوءاً، وتعاظم الظلم ظلمات، وتكثفت المصائب وتعقدت المشاكل، ارتفعت نسبة الانتحار، ارتفعت نسبة المحرومين من التعليم من أطفال وشباب البدون، تعقدت قضية الجوازات المزورة التي شجعت الحكومة بحد ذاتها عليه، ظهرت التعهدات غير القانونية المطلوب توقيعها حتى قبل البت في المعلومات المطلوب الإقرار بها، لم يجنس مستحق، لم يرحل مدع، لم يأخذ الموضوع خطوة واحدة للأمام، ليأت هذا النائب فيتغنى بأفضال المسؤول الحكومي قبل حتى أن يتيقن من المعلومة، قبل حتى أن يستمع للطرف الآخر، قبل حتى أن يفتح غوغل ويبحث قليلاً فيما سمع، قبل أن ينظر بعينيه لبيوت الصفيح القائمة هناك بعيداً عن مكتبه الفخم المطل على البحر، قبل أن يتأكد من عدد القضايا المرفوعة بل المحكوم فيها ضد الجهاز المركزي والتي يرفض الجهاز تنفيذها، قبل كل هذا، قبل أقل درجات التأكد والتيقن، قبل أبسط خطوات السؤال والبحث، هنا علينا أن نفهم، كلنا الذين نحيا على هذه الأرض بأنواعنا وطبقاتنا وانتماءاتنا وأصولنا، أننا بين ضفتي حديد صلب، وأن الأقدار مقدرة والقرارات مقررة والمصاير مرسومة ومدمرة، وما علينا ونحن بين الحكومة ونوابها سوى أن نقرأ الشهادتين.

اترك تعليقاً